بحث

الصادق المقلي : الدعم السريع عزز موقعه في التفاوض للسيطرة على الفاشر

الثلاثاء 28/أكتوبر/2025 - الساعة: 11:01 ص

بحرالعرب_متابعات:

 

قال السفير السوداني السابق، الصادق المقلي، إن التطورات الميدانية الأخيرة في شمال دارفور وشمال كردفان تمثل تحولاً نوعياً يعكس تقدماً واضحاً لقوات الدعم السريع، مشيراً إلى أن هذا التقدم الملموس على الأرض يؤكد قدرته على فرض واقع جديد يعيد صياغة المعادلة السياسية في السودان.

 

وأكد المقلي أن سيطرة قوات الدعم السريع على مواقع استراتيجية في دارفور وكردفان تضعه في موقع تفاوضي أقوى، وتمنحه القدرة على قيادة المشهد.

 

وبنفس الوقت، شدد الدبلوماسي السوداني على أن هذه الانتصارات تحمل رسالة واضحة بأن عهد الحسم العسكري قد انتهى، وأن الطريق الوحيد نحو استقرار السودان يمر عبر تسوية سلمية تضمن انتقالاً مدنياً حقيقياً بعيداً عن نفوذ المؤسسة العسكرية القديمة، التي كانت سبباً في تفكيك الدولة وتشويه مسارها الديمقراطي على مدى ستين عاماً.

 

إن هذه الحرب كرّ وفرّ، على سبيل المثال، قبل أربعين يوماً كانت المعارك شديدة، حيث سيطرت قوات بورتسودان على منطقة البارا، ثم انقلبت الأوضاع بعد ذلك، وسيطرت قوات الدعم السريع عليها وعلى مناطق عديدة أخرى كانت تحت سيطرة البورتسودان، وكلما تقدمت قوات الدعم السريع عسكرياً، كلما زادت أوراق القوة لديها في المفاوضات السياسية.

 

وتاريخياً، مهما كانت قوة الانتصار عسكرياً، لن تُحسم هذه الحرب إلا سياسياً، ويقودنا ذلك إلى سؤال مهم: متى استطاعت قوات بورتسودان حسم أي معركة عسكرياً؟ ببساطة، لم يذكر التاريخ أن حدث ذلك، وهذه رسالة مهمة تؤكد أن الذهاب إلى الحل السلمي ووقف إطلاق النار أصبح أولوية، واليوم قبل الغد.

 

من هنا، لا بد من حسم هذا الوضع والذهاب نحو حل سلمي على أساس المفاوضات بأي ثمن كان، وأن تتوقف قوات بورتسودان عن أي عملية سياسية لأن هذا ليس دوره، فهو كان الحاكم لمدة ستين عاماً أحدث خلالها الكثير من الخراب والدمار، دمّر البشر والبلاد، والشعب الآن يريد حكماً ديمقراطياً مدنياً.

 

يجب أن يكون هناك دمج سياسي يفاوض وينقل السودان إلى بر الأمان، لأن الحالات العسكرية ليس دورها أن تتفاوض سياسياً، بل يجب أن يكون هناك جسم سياسي ينهي مأساة الشعب السوداني، ويتم إجراء انتخابات وإنهاء كل أشكال الحرب، وتكون هذه الحرب آخر الحروب في السودان.

 

لا شك أن قوات بورتسودان تتعرض لضغوط من كيانات سياسية ترفض أي تفاوض مع الدعم السريع لأنها تجد مصالحها في استمرار الحرب، والعكس صحيح، وبنفس الوقت، من السابق لأوانه الحكم على فشل اجتماعات واشنطن في بداياتها الأولى، فالإدارة الأمريكية لا يمكن أن تسمح بفشل مساعٍ سلمية في عقر دارها، خاصة في ظل السياسة الترامبية ومذهبية السلام بالقوة، والسلام مقابل الاستثمارات في إفريقيا، على غرار ما فعله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن بين رواندا والكونغو الديمقراطية.

 

ونتوقع جولات قادمة في سبيل إنفاذ خارطة طريق الرباعية لإحلال السلام في السودان، خاصة وأن هناك معطيات تدفع الولايات المتحدة للمضي قدماً في إطار الرباعية وشركائها في المنطقة، مع الإشارة إلى الموقع الجيواستراتيجي للسودان المحاذي للبحر الأحمر والمتاخم لمنطقة القرن الإفريقي وباب المندب، وأهميته القصوى في الملاحة البحرية من جهة.

 

ومن جهة أخرى، تنظر واشنطن بعين الريبة والتوجس والترقب إلى التغول الإيراني في المنطقة، واتهامها لحكومة بورتسودان باحتضان عناصر إيرانية في سبيل بحث إيران عن وكيل بديل بعد أن فقدت كل وكلائها من خلال الأحداث الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في سوريا ولبنان، وبالتأكيد في غزة، فضلاً عن جهودها لاحتواء تهديد الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر.

 

كما تخشى الولايات المتحدة أيضاً من تمدد النفوذ الروسي في المنطقة، كل ذلك بجانب تطلعها للاستثمارات في موارد السودان المعدنية والزراعية والحيوانية. هذه المعطيات الجيو استراتيجية تحفز واشنطن على المضي قدماً في مساعيها السلمية في السودان حتى تحقيق خارطة طريق الرباعية بالتنسيق مع شركائها في المنطقة، بجانب الإيغاد والاتحاد الإفريقي.

 

إن سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر شمال دارفور، لا يعني نهاية الحرب، رغم أن هذا التصعيد في الحرب وهذه السيطرة التي تُعتبر مكسباً عسكرياً مهماً للدعم السريع، من شأنه أن يُقوي موقفها في إطار أي مساعٍ للحل السلمي التفاوضي للنزاع في السودان، وربما يُرسل هذا الإنجاز آنياً رسالة إلى خصمها باستحالة ما ظل يردده وحلفاؤه من الإسلاميين والقوات المشتركة حول أن الحل أو الحسم سيكون عسكرياً.

 

أعرب المجتمع الدولي عن تأييده وتشجيعه لخارطة طريق الرباعية في الاجتماع الدولي الذي انعقد مؤخراً في نيويورك على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وسوف يستمر المجتمع الدولي في ممارسة الضغوط على طرفي الصراع لقبول الحل السلمي التفاوضي في إطار "آلية الرباعية".

 

ورغم هذه النجاحات العسكرية للدعم السريع في كردفان ودارفور، هذا يؤكد مرة أخرى أنه لا سبيل لحسم الحرب عسكرياً، لأن الشعب السوداني هو الذي دفع ويدفع فاتورة هذه الحرب العبثية على مدار عامين ونصف، وهذا الانتصار يحمل رسالة واضحة للأطراف السودانية بضرورة توحيد الكلمة وتكوين جبهة عريضة لممارسة الضغوط للذهاب نحو الحل السلمي التفاوضي، لوضع حد لأسوأ كارثة إنسانية في العالم.

متعلقات:

آخر الأخبار