تحقيق إخباري: نساء غزة أظهرن صمودا أعمق في مواجهة أعباء أثقل بعد عامين من الصراع
بحر العرب ـ شنخوا:
على مدار عامين من الحرب المستمرة في قطاع غزة، وجدت النساء أنفسهن في صدارة مشهد الأزمة الإنسانية، يتحملن أعباء أثقل بين فقدان منازلهن وروتين حياتهن المعتاد من رعاية الأطفال وتأمين الاحتياجات الأساسية، خاصة بالنسبة لأولئك اللواتي فقدن أزواجهن أثناء الحرب.
في أحد مخيمات اللجوء المقامة في مدينة دير البلح وسط القطاع، جلست جنين محمود (27 عاما) بجوار خيمتها وهي تهدهد طفلها الصغير بينما توقد نارا من الحطب لإعداد بعض الطعام لعائلتها.
وتقول جنين لوكالة أنباء (شينخوا) إن حياتها تغيرت بالكامل منذ بدء الحرب، حيث بات معظم وقتها مكرسا لتأمين الحد الأدنى من الطعام ورعاية طفلها.
بالنسبة لجنين، التي تزوجت وأنجبت خلال الحرب، فإن أصعب ما تواجهه الأمهات هو العجز أمام أطفالهن في ظل انعدام الدواء والطعام.
وتضيف أنها تقضي ساعات طويلة في طوابير المياه أو في البحث عن بقايا طعام. وتتابع "أحيانا أخرج من المخيم مع نساء أخريات بحثا عن بعض الخضار أو العدس، وقد نعود بعد ساعات بلا شيء."
خلال العامين الماضيين، فقدت جنين منزلها وأحلامها بإكمال دراستها الجامعية في كلية التجارة بتخصص المحاسبة. تقول "كنت أحلم بأن أصبح معلمة وأن أبني مستقبلا أفضل لي ولعائلتي، لكن كل ذلك انهار مع بداية الحرب".
وبحسب تقارير صادرة عن وزارة التربية والتعليم في غزة، فإن آلاف الطالبات اضطررن لترك مقاعد الدراسة خلال الحرب، إما بسبب النزوح، أو لاضطرارهن إلى مساعدة أسرهن في تدبير شؤون الحياة اليومية.
في مدينة دير البلح، تعيش أريج نصار (35 عاما) في مخيم للنازحين بعد أن فقدت منزلها. هي أيضا تقول لـ((شينخوا)) إن حياتها انقلبت رأسا على عقب، حيث باتت أبسط الأمور مثل الحصول على الزيت أو الليمون حلما بعيد المنال.
وتضيف أن هذا الوضع انعكس على حالتها النفسية، فهي تعاني من نوبات قلق وأرق متواصل، لكنها لا تجد وقتا للتفكير في صحتها بسبب مسؤولياتها تجاه أطفالها.
ومن الجدير بالذكر أنها أنجبت خلال الحرب بعملية قيصرية من دون أن تتمكن من الحصول على فترة نقاهة أو رعاية كافية، إذ اضطرت للعودة سريعا إلى أعمالها اليومية ورعاية أبنائها.
وتؤكد أريج أن حياتها اليوم تختصر في طوابير متواصلة: طابور المياه، طابور الخبز، طابور المساعدات. وتضيف "في بعض الليالي لا أجد ما أطعم به أطفالي سوى الخبز الجاف أو الماء المحلى بالسكر، لكني أحاول أن أظهر قوية أمامهم كي لا يشعروا باليأس."
أما أم سامر العمصي (42 عاما) من مدينة غزة، فقد فقدت زوجها في غارة جوية قبل نحو عام، لتجد نفسها مسؤولة عن أربعة أطفال أصغرهم في السابعة من عمره.
وتقول لـ(شينخوا) "منذ وفاة زوجي أصبحت الأب والأم معا، أخرج يوميا للبحث عن أي عمل أو مساعدة لتأمين الطعام والمأوى".
وتوضح أنها تقضي ساعات طويلة في طوابير المساعدات لتعود أحيانا بكيس دقيق واحد، وأحيانا أخرى بلا شيء.
وتضيف أن أطفالها يسألونها يوميا عن والدهم، فتجيبهم بأنه في "مكان أفضل"، لكنها تدرك أن غيابه تركها أمام تحديات صعبة. ومع ذلك، تؤكد أنها تحاول البقاء قوية من أجلهم، معتبرة أن الاستمرار هو الخيار الوحيد المتاح.
النساء الثلاث يشتركن في ملامح قصة واحدة، حيث تتحول المرأة إلى العمود الفقري للأسرة، تؤدي دور الأم والمعيلة في آن واحد. وتقول جنين "المرأة الفلسطينية اليوم هي كل شيء، هي من تحافظ على بقاء الأسرة وتكافح من أجل توفير أدنى مقومات الحياة.