بحث

اغتيال الوطنية في السفارة اليمنية بلندن.. دبلوماسية الفساد والنهب والتنكيل


بحر العرب ـ اليمن ـ خاص: 

مصطفى بن خالد

 بينما يواجه اليمنيون ويلات الحرب والانهيار الاقتصادي، تتحول السفارة اليمنية في لندن إلى معقلٍ للفساد ونهب المال العام، بعيداً عن أي رقابة أو مساءلة.

لم تعد التجاوزات هناك مجرد أخطاء فردية، بل أصبحت شبكة منظمة تستنزف موارد الدولة، وتحول البعثة الدبلوماسية إلى إقطاعية خاصة لمن يفترض أنهم ممثلو الوطن، لكنهم في الواقع مجرد سماسرة نفوذ ومصالح.

المال القنصليإيرادات في جيوب الفاسدين

تحوّل الدخل القنصلي للسفارة من رسوم الجوازات، التأشيرات، التصديقات، والوكالات إلى غنيمة تُقتسم في غياب أي نظام مالي شفاف.

الخدمات المستعجلة تُفرض بأسعار باهظة، لكنها لا تجد طريقها إلى خزينة الدولة، بل تنتهي في جيوب المتنفذين.

لا نظام محاسبي،لا سندات حكومية، لا رقابة، لا تقارير مالية، ولا مساءلة، بينما يظل المواطن اليمني عالقاً بين الفساد والإهمال، يصارع للحصول على أبسط حقوقه.

التربّح من الامتيازات الدبلوماسية:

سفارة تتحول إلى سوق سوداء

لم يكتفِ المتنفذون في السفارة اليمنية بلندن بسرقة المال القنصلي، بل حوّلوا الامتيازات الدبلوماسية إلى تجارة رابحة على حساب ضريبة الدولة البريطانية.

حيث تُستغل الإعفاءات الجمركية لاستيراد السجائر، الخمور، والعطور، والهدايات الفاخرة من الأسواق الحرة، ثم تُباع في السوق السوداء بلندن، محققةً أرباحاً خيالية تصل إلى خمسة أضعاف.

أما الدور الأخير من مبنى السفارة، فبدلاً من أن يكون جزءاً من المقر الدبلوماسي، تحوّل إلى مخزن لهذه البضائع المربحة، وإلى أجنحة وغرف نوم فاخرة لأصحاب النفوذ، في مشهد يجسّد قمة الفساد والاستهتار بالمصالح الوطنية.

التلاعب بالفواتير:

احتيال مُمنهج ونهبٌ بلا رقيب

لم يقتصر الفساد داخل السفارة اليمنية بلندن على سرقة الدخل القنصلي، بل امتد إلى عمليات احتيال مُنظّمة لنهب المال العام بطرق خبيثة.

تُضخَّم تكاليف الصيانة الدورية للمبنى إلى عشرة أضعاف قيمتها الحقيقية.

في حين تتحول خزينة السفارة إلى صرافة خاصة لتعويض المتنفذين، عبر جمع فواتير الوقود من معارفهم وأصدقائهم، ثم تقديمها لاسترداد الضرائب القانونية، في عملية نهب مقننة تستنزف موارد الدولة البريطانية دون أي رقابة أو محاسبة.

التوظيف الوهمي:

شبكة فساد إداري تُنهك المال العام

في السفارة اليمنية بلندن، لم يعد التوظيف قائماً على الحاجة والكفاءة، بل تحول إلى وسيلة مُقننة لنهب المال العام.

يتم تشغيل موظفين برواتب زهيدة بدوام كامل، بينما يستغلون في الوقت ذاته المعونات الحكومية البريطانية، في ازدواجية فاضحة تُبقيهم تحت سيطرة المتنفذين، وما يلبثون أن يقومون بطردهم دون أي حقوق، ثم يأتوا بأخرين.

أما كبار المسؤولين، فيتقاضون رواتب ضخمة بالعملات الصعبة من الحكومة اليمنية في الرياض، وبدلات سكن وسفر وغيره، دون أي إنتاجية حقيقية تُذكر على الاطلاق، بل أن أعداد منهم لا يداومون منذوا فترة طويلة، أما حسام الشرجبي فلم يداوم يوماً واحداً من تاريخ تعيينه دبلوماسياً في السفارة، لأنه في الوقت نفسة رئيس اللجنة الاقتصادية بالرياض، عائلته وأولاده فقط في لندن،

والأدهى من ذلك، أن هناك أسماء لموظفين محليين تم الاستغناء عنهم منذ زمن، لكن كشوف الرواتب لا تزال تحتفظ بهم، لتُنهب مخصصاتهم شهرياً دون حسيب أو رقيب.

نهب العقارات والإيجارات:

أموال مجهولة المصير وسفارة عاجزة

لم يكن المال القنصلي وحده هدفاً للمتنفذين، بل طال الفساد أيضاً العقارات التابعة للحكومة اليمنية في بريطانيا.

يتم التلاعب بعقود إيجار بدروم السفارة في لندن ومبنى القنصلية في برمنغهام، حيث تختفي الإيرادات في جيوب الفاسدين، دون أي شفافية حول مصيرها.

في المقابل، تعاني السفارة من عجز مستمر في تقديم أبسط التسهيلات والخدمات الأساسية للمواطنين، وكأن وجودها لم يُعد مرتبطاً بحماية حقوق اليمنيين في الخارج، بل أصبح مقتصراً على خدمة فئة محددة تحقق من ورائها مكاسب شخصية.

وبدلاً من أن تكون الملاذ الآمن لليمنيين المغتربين، تحولت إلى وسيلة لابتزازهم واستغلالهم، حتى بات المواطن البريطاني من أصول يمنية يُعامل وكأنه مجرد مصدر للإيرادات، لا كفرد يحمل حقوقاً تكفلها القوانين والأعراف الدبلوماسية.

فهل أصبحت السفارات أدوات لجمع المال بدلاً من أن تكون ممثلاً للدولة وراعياً لمصالح أبنائها؟ وأين الرقابة من هذا الاستغلال الممنهج؟

السفارة اليمنية في لندن

بعثة دبلوماسية أم إقطاعية خاصة؟

يفترض أن تكون السفارة بيتاً يحمي حقوق اليمنيين في بريطانيا، لكنها تحوّلت إلى معقل للبذخ والاستغلال، حيث تُهدر الأموال العامة على السيارات الفارهة، السائقين، الخدم، في القصر، وحياة الترف التي ينعم بها كبار الموظفين، فيما يُترك المواطن اليمني لمواجهة الإهمال، سوء المعاملة، والتعقيدات الإدارية عند حاجته لأبسط الخدمات القنصلية.

بين الدور الرسمي الذي أُنشئت من أجله، والواقع المظلم الذي تعيشه اليوم، تحولت السفارة إلى رمز صارخ للفساد المستشري في مؤسسات الدولة اليمنية.

فبدلاً من أن تكون صرحاً دبلوماسياً يمثل اليمن ويحمي حقوق مواطنيه، أصبحت مرتعاً للمحسوبية وسوء الإدارة، تعكس انهيار القيم المؤسسية التي يفترض أن تقوم عليها أي بعثة دبلوماسية.

هذا التناقض الصارخ بين الواجب والواقع لا يكشف فقط عن خلل إداري، بل يسلط الضوء على منظومة فساد متجذرة تحتاج إلى محاسبة جادة وإصلاح جذري يعيد لهذه المؤسسات دورها الحقيقي.

الوجه القانوني والسياسي:

فساد يخرق القوانين اليمنية والبريطانية

ما يحدث داخل السفارة اليمنية في لندن ليس مجرد سوء إدارة، بل جريمة موصوفة وفقاً للقوانين اليمنية والدولية.

فالقانون اليمني يجرّم العبث بالمال العام ويعتبره خيانة للأمانة تستوجب المحاسبة، بينما تُعدّ القوانين البريطانية أكثر صرامة، إذ تحظر استغلال الامتيازات الدبلوماسية لأغراض شخصية أو تجارية، وتفرض عقوبات تصل إلى طرد المتورطين وفرض قيود على السفارة نفسها.

في ظل هذا الانتهاك المزدوج، هل سيبقى هذا الفساد مستمراً بلا محاسبة، أم أن التداعيات القانونية والسياسية ستفرض نفسها في نهاية المطاف؟

في ظل هذا الفساد المستشري، يظل السؤال الأبرز:

أين الرقابة والمحاسبة؟ وأين الحكومة اليمنية في الرياض من هذا الوضع المزري؟ لماذا يُترك المال العام نهباً في يد الفاسدين دون أي محاسبة أو رادع؟ السفارة اليمنية في لندن، التي من المفترض أن تكون رمزاً للتمثيل الدبلوماسي والوطني، أصبحت نموذجاً صارخاً لغياب الرقابة واستغلال السلطة.

لقد تحولت إلى مركز لتكديس الثروات الشخصية على حساب المصلحة العامة، مما يوجب تدخلاً سريعاً وعاجلاً من أجل محاسبة المتورطين وإعادة هيكلة المؤسسات الدبلوماسية بما يضمن أن تكون في خدمة الوطن والمواطن، لا في خدمة طموحات الفاسدين ومصالحهم الشخصية.

هذا الوضع يتطلب إيقاف نزيف المال العام وفرض عقوبات صارمة لضمان أن لا تظل هذه المؤسسات أداة للتربح، بل وسيلة لخدمة الشعب وتحقيق مصالحه.

إن استمرار هذا الوضع دون أي تحرك حكومي حقيقي أو تدخل فعال من الجهات الرقابية يعني أن السفارة ستظل بؤرة للنهب والفساد، بل وتصبح مع مرور الوقت جزءاً من منظومة الفساد التي تغرق فيها الدولة.

في الوقت الذي يعاني فيه الوطن من إنهيار اقتصادي، ويحارب الشعب يومياً من أجل البقاء، يبقى السؤال الملح:

هل ستظل الحكومة صامتة حتى يُصبح الفساد داخل السفارات جزءاً لا يتجزأ من شرعية الدولة؟

إن غياب المساءلة سيجعل هذه المؤسسات الدبلوماسية تتفكك من الداخل، وتصبح مجرد أدوات لأطماع فاسدة بدلاً من أن تكون جسراً للتواصل والمصلحة الوطنية.

لا يمكن الحديث عن شرعية حقيقية في ظل مؤسسات غارقة في الفساد دون حسيب أو رقيب.

إن التدخل العاجل لإعادة هيكلة هذه المؤسسات، وفرض رقابة صارمة وشفافة، ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة لإنقاذ سمعة الدولة وحماية حقوق المواطنين.

فشرعية أي نظام لا تُقاس فقط بوجود سلطة سياسية، بل بقدرته على رعاية شعبه، وصون المال العام، ومحاسبة الفاسدين، وضمان أن تكون المؤسسات في خدمة الشعب، لا وسيلة لإثراء القلة.

إن إستمرار هذا العبث دون إصلاح جذري سيجعل الفساد قاعدة، والنزاهة استثناء، وهو ما لا يمكن لأي دولة أن تنهض في ظله.

 

متعلقات: