بحث

الرئيس اليمني رشاد العليمي: لا دولة خارج الدستور ولا سلاح فوق الشرعية

الثلاثاء 30/ديسمبر/2025 - الساعة: 10:05 ص

صحيفة بحر العرب - متابعات:

أكد الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أن الدولة اليمنية ماضية في حماية السلم الأهلي وصون وحدة القرار العسكري والأمني، مشددًا على أن دماء اليمنيين تمثل خطًا أحمر لا يمكن التساهل بشأنه تحت أي ذريعة أو شعار.

وأوضح العليمي، في بيان وجّهه إلى الشعب اليمني، أن التطورات الأخيرة في محافظتي حضرموت والمهرة تمثل اختبارًا حقيقيًا لالتزام جميع الأطراف بمرجعيات المرحلة الانتقالية، محذرًا من أن أي تحركات عسكرية أو أمنية خارج إطار الدولة تُعد تمردًا مرفوضًا وتقويضًا لمؤسسات الشرعية.

وفي رسالة طمأنة لأبناء المحافظات الجنوبية، جدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي التأكيد على عدالة قضيتهم ومكانتها في صميم مشروع الدولة، مشيرًا إلى أن معالجة المظالم والحقوق السياسية والاقتصادية تتم عبر الشراكة الوطنية والحوار، لا من خلال فرض الأمر الواقع بالقوة أو احتكار التمثيل.

كما شدد العليمي على التزام القيادة السياسية بتغليب الحلول السلمية وفتح قنوات التواصل لاحتواء التصعيد، مع الاحتفاظ بحق الدولة في استخدام كامل صلاحياتها الدستورية لحماية المواطنين وفرض هيبة القانون، مؤكدًا أن الحفاظ على وحدة الصف ضرورة وطنية في ظل استمرار التهديد الحوثي والأزمة الإنسانية الخانقة.

 

وفيما يلي النص الكامل للبيان:

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يا أبناء شعبنا اليمني العظيم،

أتوجه إليكم اليوم في لحظة دقيقة من تاريخ وطننا.. لحظة لا تحتمل الغموض، ولا المساومة، بل تتطلب الوضوح، والصدق في تحمل المسؤولية، والالتزام الكامل بالدستور، والقانون ومرجعيات المرحلة الانتقالية، التي عاهدناكم عليها في خطاب القسم.

وبصفتي رئيسا للدولة، وقائدًا أعلى للقوات المسلحة، فقد تابعنا، بمسؤولية عالية، تطورات الأسابيع الماضية، خصوصًا في محافظتي حضرموت والمهرة، وما رافقها من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من شأنها تهديد السلم الأهلي، وفتح أبواب جديدة للفوضى والانقسام، في وقت لا يزال فيه شعبنا يخوض معركته المصيرية ضد مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني، ويعاني واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العصر الحديث.

إلى أهلنا في المحافظات الجنوبية، نساءً ورجالًا، وإلى الشباب والشابات في كل الساحات، أنتم ركن أصيل في بناء هذا الوطن، وتاريخكم النضالي محل فخر، واعتزاز لقيادة الدولة وكل أبناء الشعب اليمني، ونؤكد لكم أن تضحياتكم الجسيمة لن تذهب هدرا.

قضيتكم العادلة لم تكن في هذا العهد موضع تشكيك، وهي في صلب مشروع الدولة العادلة التي نناضل من أجلها جميعًا. وحقوقكم السياسية والاقتصادية والإدارية ليست محل إنكار، وقد التزمنا، قولًا وفعلًا، بمعالجتها ضمن مرجعيات المرحلة الانتقالية، وبضمانات إقليمية ودولية، وشراكة مسؤولة تحفظ الكرامة، وتصون المستقبل، وتؤسس لاستقرار دائم يعالج مظالم الماضي، ويمنع تكرارها.

ولهذا أقولها لكم بكل وضوح ومسؤولية، إنه لا أحد يملك تفويضا بديلًا عن إرادة أهلنا في الجنوب، ولا يحق لأي طرف أن يحتكر قضيتهم، أو أن يوظفها لتحقيق أهداف سياسية غير مشروعة. وإن أي مكاسب حقيقية لهذه القضية العادلة، يجب أن تشمل كل الجنوبيين دون استثناء، بعيدًا عن الإقصاء والتهميش، اللذين فاقما المظالم بدلًا عن معالجتها.

 

أيها الشعب العظيم،

أجد لزامًا علينا، من باب الصدق معكم، والوفاء للأمانة الوطنية، أن أضع أمامكم حقيقة ما بذلته قيادة الدولة، ومعها الحكومة، من جهود وتنازلات، خلال السنوات الماضية، من أجل وحدة الصف، وتغليب الحكمة، وتوظيف كل الطاقات في خدمة معركتنا الرئيسية.

لقد اتخذنا، عن قناعة ومسؤولية، قرارات سياسية، وإدارية، وأمنية، حقنا للدماء، واحتراما لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض، وحفاظًا على الشراكة، وتقديرا لتضحيات أبناء المحافظات الجنوبية، شملت التمكين في مؤسسات الدولة، والمشاركة في القرار، والتعامل بصبر مع اختلالات جسيمة، على أمل أن تفضي هذه المقاربة إلى تعزيز وحدة الصف، وبناء الثقة، ومنع الانزلاق إلى مواجهات داخلية وصراعات بين مكونات الشرعية.

كما دعونا، مرارا، إلى انعقاد مجلس القيادة الرئاسي، بوصفه الإطار الدستوري الوحيد لمعالجة الخلافات، واتخاذ القرارات، وتحمل المسؤولية الجماعية أمام الشعب، غير أن ممثلي المجلس الانتقالي امتنعوا عن تلبية هذه الدعوات، في وقت كانت فيه البلاد أحوج ما تكون إلى الحوار، لا إلى محاولات فرض الوقائع بالقوة، وإلى التوافق، لا إلى الإجراءات الأحادية.

ولم يكن ذلك الحرص نابعًا من ضعف، ولا تردد، بل من إدراك عميق بخطورة دفع الوطن نحو مربع جديد من العنف، خصوصًا في محافظات عرفت تاريخيًا بالسلم والتعايش، ودفعت أثمانا باهظة كلما استُخدمت أرضها لتصفية حسابات سياسية، أو مغامرات غير محسوبة العواقب.

وأؤكد لكم، بكل وضوح، أن الدولة لم تتقاعس يومًا عن مواجهة التهديد الحوثي، ولم تتخل عن مسؤولياتها في تأمين عوامل النصر، لكنها ترفض إدارة الخلافات بمنطق السلاح، أو استخدام معركة اليمنيين الكبرى ذريعة لتبرير إضعاف الدولة، أو تقويض مرجعياتها، أو مصادرة إرادة المواطنين، شمالًا وجنوبًا.

وفي هذا الإطار، أوضح للشعب اليمني، وفي المقدمة أهلنا في المحافظات الجنوبية، إنني بصفتي القائد الأعلى للقوات المسلحة، وجهت في حينه بمنع أي تحركات عسكرية أو أمنية خارج إطار الدولة، أو دون أوامر صريحة من القيادة العليا، حرصًا على حقن الدماء، وصون السلم الأهلي، ومنع انزلاق البلاد إلى صدامات داخلية، غير أن هذه التوجيهات قوبلت، للأسف بتجاهل واضح، ومضت التشكيلات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي بتنفيذ تحركات أحادية، في سلوك لا يمكن توصيفه إلا كتمرد مرفوض، لا تبرره أي ذرائع، ولا تغطية أي شعارات.

كما أؤكد لكم في هذا السياق، أن المؤسستين العسكرية والأمنية بدعم من الأشقاء والأصدقاء، كانت قد حققت خلال السنوات الأخيرة، إنجازات ملموسة في تفكيك الخلايا الإرهابية، وتجفيف منابع تمويلها، وتأمين المدن والممرات الحيوية، إلى جانب نجاحات متقدمة في مكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات.

كما أحيطكم علمًا بأن إجراءات إعادة التموضع في وادي حضرموت لم تكن يومًا موضع تجاهل أو تسويف، بل كانت في مرحلتها الأخيرة ضمن خطة انتشار لقوات درع الوطن تم تعميدها من وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ومصادقتي عليها، بما يحقق أهداف الأمن والاستقرار، دون الحاجة إلى هذا التصعيد غير المبرر.

وانطلاقًا من حرصنا على تغليب الحلول السياسية، وعدم إغلاق أبواب التفاهم، فقد وجهنا بتشكيل لجنة تواصل رفيعة المستوى من قيادة الدولة والمكونات السياسية، بهدف احتواء التصعيد، وفتح قنوات الحوار، ومعالجة الهواجس ضمن الأطر المؤسسية، وبما يحفظ هيبة الدولة ويجنب البلاد مزيدا من التوتر، غير أن هذه المساعي قوبلت بالتعطيل، واصطدمت بإصرار على المضي في الإجراءات الأحادية، ورفض عملي لأي مسار توافقي جامع، بما يؤكد أن المشكلة لم تكن يومًا نقصًا في الحلول، بل في تعطيلها، ولا غياب الفرص، بل إهدارها عمدًا.

إن تحميل الدولة مسؤولية كل ما جرى، وتجاهل سنوات من الاستقرار، والشراكة، والدعم، ومبادرات التهدئة، والاحتواء، هو تضليل للرأي العام، ومحاولة لبناء تبريرات وسرديات غير متماسكة لفرض أمر واقع، لن يخدم قضية الجنوب العادلة، ولن يصنع مستقبلًا آمنًا، ولن يقود إلى سلام مستدام.

وانطلاقا من هذه المسؤولية، فإن الدولة معنية بحماية مواطنيها، ووحدة القرار العسكري والأمني، وعدم السماح باستخدام السلاح لفرض أمر واقع، أو التمرد على المؤسسات الشرعية، لأن هذا النهج أثبت فشله الذريع، وسيواجه بحزم بموجب الدستور، والقانون وقرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك رفع أي غطاء عن مرتكبيه دون تردد.

ورغم المكاسب السياسية والاقتصادية والتنموية التي تحققت خلال السنوات الماضية، إلا إن هذه الإجراءات التصعيدية التي شهدناها مؤخراً أهدرت كافة هذه المكاسب، فضلاً عن مفاقمة الأزمة الإنسانية للشعب اليمني، ومع ذلك، نجدد الدعوة لقيادة المجلس الانتقالي لتحكيم العقل وإعلاء المصلحة العليا للشعب اليمني والجنوح إلى خيار السلام وتسريع انسحاب قواته من محافظتي حضرموت والمهرة دون قيد أو شرط.

 

أيها الشعب العظيم،

أطمئنكم جميعًا، وفي المقدمة أهلنا في المحافظات الجنوبية، أن الدولة ما تزال قوية بالله ثم بكم، وبوعيكم، وبأبطال القوات المسلحة والأمن، وبدعم أشقائنا الأوفياء في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية.

ولا يفوتني في هذا المقام، أن أؤكد تقدير اليمن قيادة، وحكومة وشعبا للدور الأخوي الصادق الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية من أجل خفض التصعيد، دعمًا للشعب اليمني وشرعيته الدستورية، ووحدته، وأمنه واستقراره، انطلاقًا من إدراك عميق للمصالح، والتحديات المشتركة.

لذلك فإن هذا الدعم المخلص في كافة المجالات، سيظل خالدًا في الذاكرة الوطنية، وموضع وفاء وتقدير، وشراكة مسؤولة من أجل استقرار بلادنا، والمنطقة.

 

أيها الشعب العظيم،

إن اليمن اليوم لا يحتمل فتح جبهات استنزاف جديدة، ولا إهدار موارده المحدودة، ولا تحميل مواطنيه مزيدًا من الأعباء، وهم يكافحون من أجل تأمين أبسط متطلبات العيش، على أمل الانتصار في معركة الخلاص، وبناء مستقبل يليق بتضحياتهم العظيمة.

طريقنا هو دولة المواطنة المتساوية، والشراكة في السلطة والثروة، وسيادة القانون، والسلام، واحترام مبادئ حسن الجوار.

كما أعيد التشديد على المبدأ ذاته: إن دماء اليمنيين خط أحمر، لا تهاون فيه ولا تساهل بشأنه، وإن الدولة التي قدمت بشجاعة كل التنازلات من أجل حماية أرواح مواطنيها، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام من يستهين بكرامتهم، أو يزج بهم في مغامرات طائشة، وسنستخدم في سبيل ذلك كامل صلاحياتنا الدستورية، لحماية السلم الأهلي، وفرض هيبة الدولة، ومحاسبة كل من يعرض أمن المواطنين واستقرارهم للخطر، كائنًا من كان، وبخاصة في ضوء استمرار الانتهاكات ضد المدنيين في محافظتي حضرموت والمهرة، ورفض المجلس الانتقالي الجنوبي لإنهاء التصعيد، وعدم عودة قواته إلى معسكراتها خارج المحافظتين رغم الوعود التي وصلتنا بأن هناك تجاوب مع جهود الوساطة التي قامت بها المملكة العربية السعودية مشكورةً بهدف التهدئة وخفض التصعيد، حيث وللأسف الشديد تأكد بشكلٍ قاطع ثبوت قيام دولة الإمارات العربية المتحدة بالضغط وتوجيه المجلس الانتقالي بتقويض سلطة الدولة والخروج عليها من خلال التصعيد العسكري والاعتداء على مواقع القوات المسلحة والهجمات المتكررة على قبائل حضرموت والمدنيين الأبرياء، وإغلاق مطار سيئون أمام الرحلات التجارية، وما نتج عن ذلك من انتهاكات جسيمة ضد المدنيين.

وكما ورد - مع بالغ الأسف - في البيان الصادر عن قيادة القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية فقد تأكد أيضاً قيام دولة الإمارات العربية المتحدة بشحن سفينتين من ميناء الفجيرة مملوءة بالسلاح وعربات القتال والعتاد العسكري، وإفراغها في ميناء المكلا دون تصريح بهدف تزويد قوات المجلس الانتقالي بها، في خطوة تصعيدية ضد أمن واستقرار محافظتي حضرموت والمهرة والذي اتضح أنه استمرار لعمل ممنهج منذ سنوات، وقيامهم بالضغط على المجلس الانتقالي الجنوبي بكل الوسائل للتحرك الأحادي، واستغلال القضية الجنوبية العادلة، ومحاولة تعطيل المؤسسات الدستورية المتمثلة في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة.

ومع تثميننا للدور السابق لدولة الإمارات العربية المتحدة وجهودها كعضو شارك في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، إلا أن دورها أصبح للأسف موجهاً ضد أبناء شعبنا العظيم في دعمٍ صريح للتمرد، وإذكاء الفتن الداخلية، بما يهدد أمننا واستقرارنا وتماسك مؤسساتنا ووحدتنا وإلحاق الضرر بشعبنا العزيز.

وبناءً على ذلك فقد اتخذنا عدداً من القرارات التي سيتم الإعلان عنها بهدف حماية المدنيين والمركز القانوني للدولة، وتصحيح مسار الشراكة في إطار تحالف دعم الشرعية.

 

حفظ الله بلادنا وشعبنا من كل سوء ومكروه،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

متعلقات:

آخر الأخبار