براهمابوترا... النهر الذي يشعل "حرب السدود" بين الهند والصين
صحيفة بحر العرب - متابعات:
تحوّل نهر براهمابوترا، الذي يعبر الحدود بين الصين والهند، إلى جبهة صراع جيوسياسي جديدة، حيث تتداخل المنافسة على المياه مع سباق محموم للهيمنة الرقمية، في ظل مشاريع بنى تحتية عملاقة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والخوارزميات.
ففي منتصف عام 2025، أعلنت الهند عن خطة بقيمة 77 مليار دولار لبناء أكثر من 200 سد في ولاية أروناتشال براديش المتنازع عليها، بهدف توليد 75 غيغاواط من الطاقة الكهرومائية، ضمن استراتيجية تسعى لتحويل النهر إلى مصدر رئيسي للطاقة وتعزيز أمنها المائي.
ويتصدر مشروع "أبر سيانغ" هذه الخطة، ويُتوقع أن يصبح أضخم سد في الهند.
في المقابل، تمضي الصين في بناء مشروعها الهيدرولوجي الضخم عند "المنعطف العظيم" في جنوب شرق التبت، بطاقة متوقعة تصل إلى 80 غيغاواط، أي نحو ثلاثة أضعاف قدرة سد الممرات الثلاثة، بكلفة تتجاوز 160 مليار دولار، وتعتبره ركيزة لتحولها البيئي.
لكن الهند ترى فيه أداة ضغط استراتيجية، خصوصًا في ظل امتناع بكين سابقًا عن مشاركة بيانات فيضانات حساسة.
ويخشى محللون من أن يتحول نهر براهمابوترا إلى ساحة مواجهة غير مباشرة، في وقت تتسارع فيه خطط التسلّح الرقمي والسيطرة على موارد المياه في آسيا.
ويحذر الخبراء من أن غياب أي آلية مشتركة لإدارة مياه براهمابوترا يعمّق هذا التوتر؛ فالهند تخشى أن توظف الصين ما تسميه "النفوذ الهيدرولوجي" للتأثير على التدفقات المائية، سواء عبر التحكم في الفيضانات أو التسبب في جفاف مصطنع، وتزداد هذه المخاوف مع حديث صيني متكرر عن مشاريع لتحويل مياه النهر نحو مناطق داخلية أخرى.
ويعتقد مراقبون أن جوهر الصراع لم يعد مرتبطًا بالسدود كمنشآت خرسانية فقط؛ فالهند والصين تربطان مشاريع الطاقة الكهرومائية ببنى رقمية معقدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وبينما تدمج الصين سدودها في شبكة كهرباء وطنية تعمل وفق ما تسميه "عقل الطاقة الذكي"، فإن الهند تعمل على تطوير أنظمة مراقبة رقمية للسدود، ونماذج ذكية لإدارة الرواسب، وربطًا مباشرًا بين الطاقة الكهرومائية والسيادة الرقمية.
وهذا التداخل بين الماء والرقمنة، فاقم المخاوف الأمنية المتبادلة؛ فبكين تنظر إلى السدود الهندية المدعومة بشراكات أمريكية ويابانية بقلق، وتخشى أن تتحول إلى منصات مراقبة غير مباشرة للشبكات الصينية، وفي المقابل، ترى نيودلهي في مشروع "المنعطف العظيم" منصة مزدوجة الاستخدام، تجمع بين التحكم الهيدرولوجي وإمكانيات مراقبة تعتمد على الأقمار الاصطناعية والذكاء الاصطناعي.
المخاطر تتضاعف في ظل اعتماد الجانبين على أنظمة ذكاء اصطناعي للتنبؤ بالفيضانات وإدارة الشبكات الكهربائية؛ ما يهدد بأن يشعل أي هجوم سيبراني يستهدف بوابات التصريف، أو خوارزميات توازن الشبكة، أو شبكات الاستشعار، أزمة سياسية أو أمنية واسعة قد تتحول إلى شرارة أزمة إقليمية يصعب احتواؤها.