بحث

مجلس الأمن ينتهي من تصويت تعليق العقوبات على إيران

السبت 20/سبتمبر/2025 - الساعة: 9:46 ص

بحرالعرب_متابعات:

 

أنهى تصويت مجلس الأمن، يوم أمس، بشكل عملي، صلاحية تعليق العقوبات الأممية التي كانت مفروضة على إيران منذ الاتفاق النووي لعام 2015.

 

وتشير عودة مسار العقوبات إلى تحول في ميزان القوى بين طهران والقوى الكبرى، كما تُعد نقطة تحول تُخرج الملف النووي الإيراني من دائرة التفاوض المرن إلى سياق أكثر صرامة. هذا التطور يضع إيران في مواجهة عزلة دولية متجددة.

 

إيقاف المجلس تمديد تعليق العقوبات يُقرأ كإشارة على تراجع قدرة طهران على المناورة الدبلوماسية، وعودة شبح العقوبات الأممية بكل ثقلها إلى المشهد.

 

لكن الفارق بين اليوم وما قبل اتفاق 2015 النووي يكمن في أن إيران باتت أكثر تورطاً في صراعات المنطقة، وأكثر اعتماداً على اقتصاد موازٍ يتغذى من التهريب والالتفاف على المنظومة المالية الدولية.

 

وقالت مصادر دبلوماسية أوروبية إن الفترة الراهنة تجاوزت مرحلة اختبار النوايا، وهي بمثابة الاختبار الجدي للسلوك الإيراني. كما تابعت المصادر "نحن لا ننتظر من إيران خطابات جديدة أو رسائل دبلوماسية ناعمة، ما نحتاجه هو فتح الأبواب أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بلا قيد أو شرط، وتقديم جداول زمنية دقيقة لخفض التخصيب.

 

والأيام القليلة المقبلة ستكون هي الحكم، وإذا لم نرَ خطوات ملموسة، فسيكون من الصعب على أي عاصمة أوروبية أن تدافع عن فكرة التهدئة".

 

وأضافت المصادر "في النقاشات الداخلية الأوروبية، تم مؤخراً طرح فكرة مفادها بأن إعادة العقوبات قد لا تكون كافية وحدها إذا استمرت إيران في التصعيد والمماطلة.

 

وهناك إدراك بأن الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية يمكن أن تُبطئ البرنامج، لكنها لا تستطيع وحدها تفكيك البنية التي بنتها طهران خلال السنوات الماضية. لهذا السبب، بدأ الحديث يطفو عن خيارات مُكمّلة قد تشمل ضربات محدودة، سواء عبر دعم عمليات أمريكية أو إسرائيلية أو عبر عدم الاعتراض عليها سياسياً في المحافل الدولية".

 

واستطردت المصادر حول ذلك "المنطق هنا ليس السعي إلى حرب شاملة، بل إلى ما يمكن أن نصفه بالرسائل الصلبة. هذه العمليات، من شأنها أن تعمل بالتوازي مع العقوبات لتغيير حسابات طهران، خصوصاً إذا اقترنت بإجماع دولي يقدّم الغطاء الشرعي".

 

الأوروبيون بطبيعتهم مترددون إزاء الخيار العسكري، بحسب المصادر، لكن فشل إيران في تقديم تنازلات حقيقية خلال الأيام القليلة المقبلة قد يُحوّل هذا التردد إلى قبول ضمني.

 

وقالت المصادر: "نحن لا نتحدث عن إعلان رسمي أو قرار جماعي، لكن عن تهيئة مناخ سياسي يسمح بتمرير ضربات جراحية إذا فُرضت. ومن الواضح أن أي ربط بين استمرار التخصيب فوق الحدود القصوى وبين توسّع النشاطات الإقليمية لإيران سيزيد من احتمالية اللجوء إلى هذا السيناريو. في هذه الحال، يمكن القول إن طهران ستكون قد فتحت الباب بنفسها أمام مرحلة أشد خطورة تتجاوز العزلة إلى استهداف مباشر".

 

واعتبرت المصادر الأوروبية أن الرهان الأوروبي ليس فقط على النووي، فهم يتابعون سلوك إيران في أي تحرك إقليمي، "أي تحرّك استفزازي سيُعتبر دليلا إضافيا على أن طهران لا تريد خفض التصعيد، وإذا استهدفت إيران أو وكلاؤها خطوط الإمداد البحري، فسيكون الرد الأوروبي مختلفا وأكثر صرامة".

 

المعضلة الأساسية بالنسبة للأوروبيين هي أن إيران تعتقد أن لديها وقتا كافيا لتكرار لعبة التفاوض المفتوح بلا سقف، لكن ما لا تدركه طهران وفق المصادر أن البيئة الدولية تغيّرت جذرياً، فالمزاج داخل العواصم الأوروبية أكثر ميلا للتشدد مما كان عليه في أي وقت منذ 2015. هناك إدراك متنامٍ أن سياسة "المراوحة" الإيرانية لم تعد مجرد مشكلة نووية، بل مصدر خطر على الاستقرار الإقليمي برمته. 

 

وأردفت المصادر، "خلال الأيام المقبلة، لن يكون الحكم فقط على مستوى التعاون الفني مع الوكالة الدولية، بل على مستوى سلوك إيران كفاعل إقليمي. فإذا استمرت في اختبار حدود الملاحة الدولية أو رفعت منسوب التوتر عبر وكلائها، فإن أوروبا ستنظر إلى ذلك باعتباره دليلا إضافيا على غياب أي نية لخفض التصعيد. وهذا سيفتح النقاش داخل دوائرنا حول أدوات أخرى تتجاوز بالتأكيد العقوبات الاقتصادية التقليدية" 

 

عاشت إيران قبل 2015 سنوات قاسية من الحصار الدولي، انتهت بتوقيع الاتفاق النووي مع القوى الكبرى، الذي منحها متنفساً اقتصادياً مؤقتاً. لكن العودة إلى العقوبات في نهاية الشهر الجاري لا تعني فقط إعادة إنتاج تلك المرحلة، بقدر ما تعني العودة إلى عزلة في بيئة أكثر تعقيداً. فإيران اليوم لم تعد محصورة ببرنامجها النووي، لكنها أيضاً لم تعد تمتلك النفوذ الإقليمي نفسه الذي بنته خلال العقد الماضي. 

 

حضور إيران في سوريا تلاشى، وفي لبنان، يواجه "حزب الله" ضغوطاً متزايدة أضعفت موقعه التقليدي كممثل مباشر لإرادة طهران. ومع ذلك، ما زالت إيران تراهن على أذرعها في العراق، وعلى قدرات ميليشيا الحوثيين في اليمن، باعتبارهما آخر أوراقها المؤثرة نسبياً في الإقليم. 

 

هذا التحوّل يجعلها أكثر انكشافا؛ إذ باتت لاعباً مضغوطاً يحاول الحفاظ على ما تبقّى من نفوذ متآكل، وهذا الانخراط يضاعف من هشاشتها؛ لأن أي عقوبات واسعة أو ضربة موجهة ضدها لن تبقى محصورة في الداخل الإيراني، وإنما ستتردد أصداؤها عبر كامل "شبكة النفوذ" التي بنتها في المنطقة.

 

منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي عام 2018، طوّرت إيران أدوات معقدة للالتفاف على العقوبات، من شحنات نفط مخفية الوجهة إلى الصين، تهريب عبر الخليج وعبر العراق، استخدام واجهات تجارية وشركات وسيطة في شرق آسيا. هذا "الاقتصاد الرمادي" وفّر لطهران الحد الأدنى من السيولة للحفاظ على جهازها السياسي والعسكري، لكنه لم يعدل حقيقة التآكل الداخلي، بحسب المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الإيرانية، محسن زغلول.

 

وأضاف زغلول أنه ومع عودة العقوبات الأممية، يتوقع أن يصبح هذا الاقتصاد أكثر صعوبة وأعلى كلفة؛ إذ ستستعيد الأمم المتحدة آليات المراقبة والتجميد التي جرى رفعها بعد 2015؛ ما يعني أن مساحات الالتفاف ستضيق، وأن الاعتماد على قنوات التهريب سيتحوّل من ميزة مرنة إلى نقطة ضعف يمكن استهدافها.

 

واعتبر محلل الشؤون الإيرانية أن هناك تحوّلا نوعيا في طريقة تفكير الأوروبيين حيال الملف الإيراني، فالمعادلة التقليدية التي كانت تقوم على "عقوبات مشددة مقابل إبقاء باب التفاوض مفتوحاً" بدأت تفقد صلاحيتها، لتحل مكانها مقاربة أكثر صلابة تتقبل فكرة المزج بين الضغط الاقتصادي والرد العسكري المحدود. هذا لا يعني أن أوروبا بصدد تغيير عقيدتها السياسية السلمية، لكنها تُدرك وفق زغلول أن الضغوط وحدها لم تنجح في كبح الطموح النووي الإيراني، ولا في الحد من أنشطتها المزعزعة في الإقليم.

 

وتابع بأن أي نقاش حول ضربات "جراحية" يُراد لها أن تكون رسائل رادعة أكثر مما هي عمليات حربية طويلة الأمد. "مثل هذا التوجه يعكس رغبة في خلق معادلة ردع جديدة من خلال إبقاء العقوبات كإطار دائم، مع التلويح باستخدام القوة إذا تجاوزت طهران خطوطاً حمراء واضحة"

 

الباحث في الشأن الإيراني، إدريس أحمدي، اعتبر خلال أن إحدى النتائج المباشرة لعودة العقوبات ستتمثل في تعميق الانقسام داخل النخبة الإيرانية نفسها.

 

ففي الوقت الذي يمكن أن يضغط فيه التيار المتشدد لتبني خطاب تحدٍّ مفتوح، ستكون هناك أصوات أكثر براغماتية تؤكد على أن البلاد غير قادرة على تحمّل دورة جديدة من العزلة.

 

هذا التناقض الداخلي بحسب أحمدي سيجعل طهران عاجزة عن إنتاج استراتيجية متماسكة، ويزيد من ارتباكها أمام الضغوط الأوروبية والأممية؛ وهو ما قد يسرّع انتقال الأزمة من كونها ملفاً خارجياً إلى كونها مأزقاً داخلياً يهدد تماسك النظام السياسي.

 

وأضاف أن الضغوط الجديدة تجعل التعامل مع إيران أكثر كلفة بالنسبة إلى شركاء تقليديين أو محتملين. في العراق مثلاً، تبدو الحكومة أكثر ميلا إلى تقليص تبعيتها الاقتصادية والسياسية لطهران تحت ضغط العقوبات الدولية.

 

وفي لبنان، الانكشاف المالي لميليشيا حزب الله يُضعف جاذبية إيران كراعٍ إقليمي. هذا التآكل يترك طهران أكثر عزلة، ويدفع القوى المحلية إلى البحث عن بدائل سياسية واقتصادية تبتعد عن دائرة النفوذ الإيراني.

 

وتابع بالقول، "أوروبا اليوم لا تتحدث فقط عن فرض عقوبات بل عن بناء منظومة ردع مركبة؛ عبر عقوبات اقتصادية تشلّ، مع تهديدات عسكرية تُرسل إشارات حاسمة.

 

هذا المزج يهدف إلى فرض معادلة جديدة، فكلما رفعت إيران منسوب التخصيب أو وسّعت تحركاتها الإقليمية، واجهت مروحة ردود أقوى وأسرع.

 

بعبارة أخرى، يتم الانتقال من سياسة الضغط البطيء إلى سياسة الضغط المركب؛ ما يعني أن البيئة الاستراتيجية حول إيران قد تصبح أكثر عدائية مما كانت عليه في أي وقت مضى".

متعلقات:

آخر الأخبار