بحث

**الثورة النسائية في عدن وتعز: احتجاجات بلا ظهير سياسي**

عمر العودي

**الثورة النسائية في عدن وتعز: احتجاجات بلا ظهير سياسي**  

منذ اندلاع احتجاجات الربيع العربي، شهدت اليمن تحركاتٍ شعبيةً متعددةً، تميزت بغيابٍ واضحٍ لدور الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، بما في ذلك النقابات المهنية واتحادات الشباب والمرأة. وعلى الرغم من تنوع أسباب هذه الاحتجاجات السلمية، إلا أنها ظلت تفتقر إلى الإطار السياسي والتنظيمي الذي يُمكنها من تحقيق مطالبها. وكانت المظاهرات النسائية الأخيرة في عدن وتعز ضد الفساد وتردي الخدمات مثالًا صارخًا على هذه المعضلة، حيث خرجت النساء بشكلٍ عفويٍّ ليعبرن عن غضبٍ شعبيٍّ عجز الرجال عن التعبير عنه، لكنهن واجهن مصيرًا مشابهًا لسابقاتها من الاحتجاجات: التهميش والإخفاق بسبب غياب الحامل السياسي والتنظيمي.  

في عدن وتعز، مثلت المظاهرات النسائية صوتًا جريئًا ضد استمرار الفساد وتدهور الخدمات الأساسية، لكنها بقيت احتجاجاتٍ عفويةً غير مؤطرة، مما جعلها عرضةً للقمع أو التهميش بسهولةٍ من قبل السلطات الفاسدة. واللافت أن قيادات الأحزاب السياسية، التي يُفترض أنها تمثل صوت الجماهير وتتبنى مطالبها، أصبحت جزءًا من المشكلة بدلًا من أن تكون جزءًا من الحل. فقيادات هذه الأحزاب، بانغماسها في الفساد وتحالفها مع السلطات المحلية، فقدت مصداقيتها وأصبحت عاجزةً عن قيادة أي حراكٍ شعبيٍّ حقيقي. وهذا ما يفسر عزوف الكثير من المواطنين عن الانخراط في احتجاجاتٍ تقودها قوى سياسية فاسدة أو غير فاعلة.  

يُعد غياب النقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني عن هذه الاحتجاجات أحد الأسباب الرئيسية التي قد  تؤدي  الى فشلها في تحقيق أي مكاسب ملموسة. فبدون مشاركةٍ فاعلةٍ من هذه المؤسسات، تظل المطالب الشعبية مجرد صرخاتٍ عفويةٍ في الفراغ، تفتقر إلى الآليات التنظيمية التي تضمن استمراريتها وتأثيرها. كما أن عدم وجود إطارٍ سياسيٍّ بديلٍ خارج نطاق الأحزاب التقليدية التي تخلت عن دورها الوطني جعل هذه الاحتجاجات سهلةَ القمع أو الاستيعاب من قبل السلطات، تمامًا كما حدث في فبراير 2011، عندما تم تحييد مطالب شباب الثورة عبر صفقاتٍ سياسيةٍ لم تغير من واقع الفساد والاستبداد شيئًا.  

إن نجاح أي حراكٍ شعبيٍّ في عدن أو تعز أو غيرها من المحافظات اليمنية مرهونٌ بقدرته على تجاوز قيادات  الأحزاب الفاسدة، وإيجاد إطارٍ سياسيٍّ جديدٍ يعبر عن تطلعات الناس، مع إشراك منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية  وقطاعات الشباب  والمرأة  لإضفاء الطابع المؤسسي على المطالب. فبدون ذلك، ستظل الاحتجاجات النسائية وغيرها مجرد مشاهد متكررةٍ من الغضب العاجز، تُقمع أو تُهمش بسهولة، بينما تستمر النخب الفاسدة في إدارة المشهد السياسي بعيدًا عن أي تغييرٍ حقيقيٍّ أو رادعٍ لفسادها.