بحث

ضربات السعودية وبيان مجلس الدفاع

صالح الجبواني

تتناقل الأوساط اليمنية أخبارًا عن تحركات واتصالات واجتماعات متكررة تُدار على وقع التطورات المتسارعة في المحافظات الشرقية.

لكن الواقع يوضح أن المشكلة ليست في هذه التحركات أو الأسماء المرتبطة بها، بل في غياب استراتيجية واضحة المعالم توجه هذه التحركات، وتحوّلها من مجرد ردود فعل متفرقة إلى خطة مدروسة قادرة على تحقيق الأهداف المنشودة.

فالأشخاص يأتون لاحقاً… أما الاستراتيجية، فإن غابت، فلا معنى للأشخاص، ولا قيمة للاجتماعات، ولا وزن للبيانات.

اليمن اليوم – وبخاصة شرقه – لا يحتاج إلى إدارة ردود فعل، ولا إلى استدعاءات متفرقة، ولا إلى محاولات “تسكين” موضعي للأزمات، بل يحتاج إلى رؤية استراتيجية سعودية واضحة المعالم، تُجيب قبل كل شيء عن سؤال جوهري:

ماذا تريد المملكة من اليمن؟

وأي يمن تريده؟

وبأي أدوات، وبأي سقف، وبأي خطوط حمراء؟

الاستراتيجية لا تبدأ بالأشخاص، بل تبدأ بتحديد الهدف السياسي النهائي، وتعريف طبيعة الصراع دون رمادية، وتوحيد مركز القرار، وربط الأمن بالسياسة، والسياسة بالاقتصاد، ثم امتلاك الجرأة الكاملة لاستخدام أدوات النفوذ.

بعد ذلك فقط تأتي مسألة الإمكانيات، والمراحل الزمنية، واختيار الأشخاص القادرين على التنفيذ لا تدوير التوازنات.

هذا وحده ما يقود إلى النصر.

في هذا السياق جاء اجتماع مجلس الدفاع الوطني وبيانه الأخير.

ورغم اللغة التي تضمنها – حديث عن انتهاكات جسيمة، وتمرد على مؤسسات الدولة، وخرق للمرجعيات – إلا أن البيان لم يرتقِ إلى مستوى اللحظة، ولم يترجم توصيفه إلى قرار استراتيجي حاسم.

الأخطر من ذلك، أن بيان مجلس الدفاع لم يكن بيان دولة تواجه تمردًا، بل بيان سلطة كأنها تبرّر عجزها إزاء ما حصل.

بل كان بيانًا اجتزأ الحدث من سياقه، وجرّده من دلالاته السياسية والأمنية، ووفّر غطاءً عملياً للمجلس الانتقالي، فلم يدنه كقوة متمردة، بل حاصره في زاوية عدم التنسيق وملف المدنيين، وكأن ما جرى خطأ عملياتي لا مشروعًا متمرداً مكتمل الأركان.

هذا البيان لا يعكس قوة قرار، بل يكشف هشاشته.

ولا يعلن حسماً، بل يؤكد أن الحدّية والجدّية لم تكتملان، وأن الإرادة لم تصل لنهايتها الطبيعية،

وأن المسار سيتجه – مرة أخرى – إلى منتصف الطريق…

منتصف تسوية مشوهة في الشرق، لا استعادة لهيبة الدولة ولا كسراً للتمرد.

ومنتصف الطريق في لحظات تاريخية فاصلة كهذه لا يصنع حلولاً، بل يؤجل الانفجار، ويرحّل الصدام، ويكرّس اختلال موازين القوة لصالح من يفرض الأمر الواقع بقوة السلاح.

إن أي فعل سياسي أو عسكري بلا استراتيجية واضحة، وبلا إرادة سيادية مكتملة، ليس خطأً تكتيكياً عابراً، بل وصفة مؤكدة للفشل…

ولو قاده ملائكة، لا بشر. واليمن – والسعودية قبلها – لم تعد تحتمل ترف التجريب،

ولا كلفة القرارات المبتورة،

ولا إدارة الصراع بنصف موقف.

فالدول لا تُبنى بمنتصف قرار،

ولا تُحمى بتسويات مؤجلة،

ولا تنتصر بلا استراتيجية واضحة المعالم.

آخر الأخبار