بحث

رأس المال اليمني: من صناعة الثورات إلى تمويل الصمت

عادل الشجاع

 

 

ثمة حكمة تقول:

إن المال الذي نتركه وراءنا لا يختلف كثيرا عن الماء الراكد الذي لا يشربه أحد، فذلك يبقى في البنوك مجرد أرقام باردة، بينما العمر الذي نحرقه في جمعه يتبخر مثل بخار فوق قدر سلق ذرة..

 

تذكرت هذه الحكمة حينما قرأت عن رأس المال الوطني ودوره في صناعة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر اللتان أنجبتا 22 مايو 1990..

 

يومها لم يكن المال ترفا ولا زينة حسابات، بل كان موقفا، كان جزءا من معركة وعي، ووقودا لحلم جمع اليمنيين على فكرة الدولة والكرامة والاستقلال، لم يسأل أولئك: ماذا سنربح؟ بل سألوا: ماذا سيبقى من وطن إن لم نفعل؟ فبقي الوطن، وبقي ذكرهم..

 

أما اليوم، فإن رأس المال اليمني يقف — في معظمه — موقف المتفرج القلق، أو الأسير الخائف، أو المستسلم لحسابات السلامة الشخصية، آلاف من رجال الأعمال يكنزون المال في بنوك لا تعرف اليمن، أو ينفقونه قسرا تحت الترهيب والترغيب على المليشيات، فيتحول المال من أداة بناء إلى وقود إطالة أمد الخراب،أموال تتحرك، لكن في الاتجاه الخاطئ، تصرف، نعم، لكنها لا تنقذ، ولا تغير، ولا تعيد للدولة اعتبارها!.

 

وهنا تكمن الفاجعة الأخلاقية قبل أن تكون سياسية: أن يحرق عمر كامل في جمع المال، ثم يترك هذا المال بلا رسالة، بلا أثر، بلا شجاعة، أرقام باردة في حسابات صامتة، تشبه ماء راكدا لا يروي ظمأ أحد، بينما الوطن يحترق عطشا للأمل، ولصوت وازن، ولمشروع جامع..

 

ليس المطلوب من رأس المال اليمني أن يخوض حربا، ولا أن يشتري بنادق، ولا أن يستبدل الدولة، المطلوب — وهو أقل كلفة وأكثر أثرا — أن ينفق جزءا يسيرا من ثروته على حركة وطنية واعية، ممتدة من الداخل إلى الخارج، تعيد الاعتبار لفكرة الدولة، وتهيئ المزاج الشعبي للانتصار للسلم، وللأمن الاجتماعي، وللقانون، ولليمن الواحد الذي يتسع للجميع..

 

حركة تخاطب الناس لا بالسلاح بل بالمعنى، لا بالخوف بل بالأمل، لا بالتحشيد الأعمى بل بالوعي، حركة تكسر احتكار الصوت، وتواجه ماكينة التضليل، وتستعيد ثقة اليمني بنفسه وبمستقبله، هذا وحده كفيل بأن يحدث فارقًا حقيقيا في حياة اليمنيين، وبأقل مما يهدر اليوم في الصمت أو في دفع الإتاوات!.

 

إن رأس المال الذي لا ينحاز في لحظات المصير، لا يكون محايدا، بل شريكا في إطالة المأساة، والتاريخ لا يسأل: كم جمعتم؟ بل يسأل: أين وقفتم حين كان الوطن يحتاجكم.؟

 

اليمن لا يطلب المستحيل، يطلب فقط أن يتحول المال من خوف مكدس إلى شجاعة مثمرة، ومن أرقام باردة إلى فعل وطني دافئ، ومن يفعل ذلك، لن يخسر ماله… بل سيربح وطنا، وذكرا لا يتبخر..

آخر الأخبار