بحث

عيدروس بعيون تل أبيب: "جنوب اليمن ينهض من جديد" … ورسالة إلى الرئيس

عبدالقادر الجنيد

 

عيدروس بعيون تل أبيب:
"جنوب اليمن ينهض من جديد"
… ورسالة إلى الرئيس 

Abdulkader Alguneid(عبدالقادر الجنيد)
***
١٨ ديسمبر ٢٠٢٥

معنا اليوم تقرير من اسرائيل.
عبرت اسرائيل عن رأبها في انفصال جنوب اليمن، في تقرير INSS بعنوان: "جنوب اليمن ينهض من جديد".
التقرير نشره قبل ثلاثة أيام، معهد دراسات الأمن القومي 
Institute for National Security Studies 

التقرير يبدو، للوهلة الأولى، تحليلا باردا للوقائع، لكنه في العمق يقدم تصورا مكتملا لمستقبل اليمن — مستقبل لا مكان فيه لدولة موحدة ولا لشرعية سيادية، بل لكيانات وظيفية تُدار من الخارج. 

هذا ليس تحليلا صحفيا محايدا، ولكنه تقرير توجيهي استراتيجي يهدف إلى تطبيع فكرة تقسيم اليمن وتقديم الجنوب كـ “حل” لا كـ “مشكلة”.

حين تُكتب نهاية اليمن في تل أبيب، فانه يكتب من زاوية إسرائيلية بحتة.
كل شيء يُقاس بـ: باب المندب وإيران والبحر الأحمر وأمن الملاحة؛
… أما اليمني نفسه، فهو غائب تماما.

وعلى النحو التالي سوف نتعامل نحن مع التقرير:
*
١- سوف نلخص التقرير كما هو — بطريقتنا المفضلة— على هيئة نقاط.
٢- ثم نقوم بتفكيك التقرير.
٣- ثم بهدوء سوف نرد على التقرير.
٤- ثم نضع التقرير تحت المساءلة الكاملة.
٥- ثم نخبر الرئيس عن التقرير.

**
أولا: ماذا يقول التقرير؟
**
 هذا عرض للتقرير بلا تعليق ولا تحليل

١- نهاية اليمن الموحد كأمر واقع
*
ينطلق التقرير من مسلّمة غير معلنة: اليمن لم يعد دولة واحدة، بل كيانين بحكم الأمر الواقع — شمال حوثي وجنوب موالٍ للإمارات.

الإعلان الضمني عن “نهاية اليمن الموحد”
الكاتب لا يناقش احتمال الانقسام، بل يتعامل معه كأمر واقع: شمال حوثي وجنوب موالٍ للإمارات.

وهناك رفع علم الجنوب وطرد الحكومة إلى الرياض يُقدَّم كدليل على انهيار الدولة اليمنية لا مجرد أزمة سياسية.

٢- فشل إطار ٢٠١٥ الذي صنعته السعودية 
*
يحمّل التقرير التحالف الموالي للسعودية (الشرعية) مسؤولية الفشل، ويصفه بالضعف والتفكك والارتهان للخارج.

هذا الفشل السعودي، منح الحوثيين: أفضلية فورية، وخصوما يمنيين متنازعين بدل جبهة موحدة.

لم يذكر التقرير دور الامارات في صناعة الكانتونات والميليشيات وبذر الفتن والخصومات.

٣- الجنوب كلاعب جديد
*
يقدّم المجلس الانتقالي الجنوبي كأول قوة تمتلك تنظيما وقدرة حكم واقتصادا وقوة عسكرية، لا مجرد خطاب “مناهضة الحوثي”.
التقرير يصِف الجنوب كعامل ضغط استراتيجي جديد لصالح اسرائيل.

٤- الشرخ السعودي–الإماراتي
*
يكشف التقرير أن الإمارات بنت كيانا جنوبيا بديلا، بينما اكتفت السعودية بخطاب وحدة لا أدوات له.

وقد انتهى الأمر بنتائج سيئة للسعودية التي قد تم إخراجها من الجنوب، إخراج السعودية من الجنوب وفي نفس الوقت رسمت الإمارات واقعا جديدا جنوب الجزيرة العربية.

٥- زاوية إسرائيل
*
يرى التقرير في الجنوب فرصة استراتيجية لإسرائيل: باب المندب، تقليص النفوذ الإيراني، وإمكانية إدارة الواقع عبر أبوظبي.

**
ثانيا: أين تكمن مشكلة هذا المنطق؟
**

 الآن، يبدأ التفكيك لمنطق Yoel Guzansky, a senior researcher  الخبير الاسرائيلي المتخصص.

المشكلة في التقرير ليست في معلوماته، بل في منطقه.

١- اختزال الدولة
*
اليمن هنا ليس: شعبا ولا تاريخا ولا دولة.
بل: سواحل وموانئ وممرات وخرائط نفوذ.

يختزل الباحث الاسرائيلي الدولة اليمنية في: — موانئ — سواحل — أمن ملاحي.

هذه الثلاثة الأمور، التي كأن الله- جل جلاله- ما خلق اليمن وموانئها وسواحلها وحكامها، وما سخر عيدروس للقيام بالانفصال، وما جند الإمارات للسيطرة على جنوب اليمن والمخاء؛
… إلا لخدمة مصالح اسرائيل.

بينما يتجاهل الخبير الاسرائيلي تماما: — فكرة الشرعية — العقد الاجتماعي— الإرادة الشعبية.

هذه الثلاثة الأمور الأخرى، هي ما قد ضحى اليمنيون لتحقيقها طوال المائة السنة الماضية ومازالوا يضحون.
هذه الأمور الثلاثة، تضع الانفصال والحوثية في خانة واحدة.

٣- شرعنة الأمر الواقع
*
هذا ليس تحليل عقلاني اسرائيلي، بل خبثا مركزا.
إنه يشرعن للانفصال.
ما يُقدَّم كتحليل هو في الحقيقة تطبيع ذهني مع التقسيم، وتسويغ لانهيار الدولة بوصفه “حلا عمليا”.
وهكذا نعود لمسألة "الأمر الواقع"، التي بموجبها قد تمت:
شرعنة الحوثيين…  وشرعنة الكانتونات…  وشرعنة لوردات الحرب… وشرعنة تمزيق اليمن.

٤- تغييب المسؤولية
*
التقرير يتحدث عن فشل الدولة اليمنية، دون أن يسائل:
— من الذي أضعفها؟
— من الذي صادر قرارها؟
من الذي مزّق مؤسساتها باسم الدعم والتحالف؟

**
ثالثا: الرد الهادئ على تقرير اسرائيل 
**

أسئلة لا يجيب عنها التقرير
١- إذا كان الجنوب كيانا قابلا للحياة، فلماذا يحتاج إلى وصاية دائمة؟

يضخم “تماسك الجنوب” ويتجاهل هشاشته.
يتحدث عن “كيان منضبط ومستقر”، ويتجاهل: التعدد القبلي، حضرموت والمهرة وشبوة وأبين.
يتجاهل حتى الرفض الشعبي الواسع

حقيقة أن قوة عيدروس الزبيدي، هي من شراسة وكثافة دعم خارجي من الإمارات وليس من عقد اجتماعي قد اتفق عليه كل أبناء الجنوب.

٢- وإذا كانت الدولة عبئا، فلماذا تُستبدل بكيانات في الجنوب والمخاء، لا تعيش إلا بالدعم الخارجي؟

٣- وإذا كانت الشرعية فاشلة، فمن المسؤول عن إفشالها؟

هذه ليست أسئلة أخلاقية، بل أسئلة سياسية جوهرية يتجنبها التقرير عمدا.

**
رابعا: اللا معقول الذي يرقى إلى درجة الذنب
**

أخطر ما في تقرير INSS أنه لا يرى في اليمن دولة يجب إنقاذها، بل مساحة يجب إدارتها.
هذا ذنب وجناية وجريمة في حق اليمن.

في هذا المنطق:
١- يرى الخبير أن الدولة اليمنية، عائق

٢- ويرى أنه يمكن صناعة الشرعية اليمنية تفصيل عند ترزي خياط في أبو ظبي وتل أبيب.

٣- ويرى أنه لا ضرورة أن يكون حكم اليمن تحت قواعد المساءلة والمحاسبة والمراجعة والتدقيق Audit، كما نكرر نحن طوال الوقت وعلى مر السنين.

وهذه هي نفس رؤية الإمارات والانفصاليين لليمن.

وهذه ليست رؤية إسرائيلية فقط، بل رؤية تتقاطع مع سلوك أطراف إقليمية تعاملت مع اليمن كملف نفوذ لا كدولة ذات سيادة.

**
خامسا: الحوثية والانفصال والكانتونات: أعداء اليمن
**

الدولة، الشرعية، والمحاسبة، لا يمكن أن نحصل عليها في ظل الحوثية والانفصال والكانتونات.

هؤلاء أعداء لهذه المفاهيم وأعداء لليمنيين وأعداء للنسيج الاجتماعي اليمني وأعداء للوطن اليمني الواحد.

لا يمكن الحديث عن استقرار دون دولة.
ولا دولة دون شرعية.
ولا شرعية دون محاسبة.

كل كيان يُبنى خارج هذه المعادلة، مهما بدا منظما، هو مشروع هشّ، مؤجل الانفجار.

واليمن لم يفشل لأنه بلد صعب، بل لأنه حُرم عمدا من فرصة أن يكون دولة.

**
سادسا: اسرائيل والإمارات والانفصال
**

يقول التقرير أن عيدروس الزبيدي، قد ألمح إلى أنه عندما يصبح رئيسا "رسميا" لدولة الجنوب العربي فإنه سينضم لدولة اسرائيل.
ولكن اسرائيل لا يجب أن تحتضنه مباشرة لأنه ملكية خاصة للإمارات، وعلى اسرائيل أن تحصل على بغيتها منه من حلال أبو ظبي.

هذا الكلام وحده، يثير سخط الجنوبيين حتى الانفصاليين وهو كفيل بِهدِّ المعبد على رأس المجلس الانتقالي طال الزمن أو قصر.

عيدروس الزبيدي، سوف يضطر للقمع والترويع لتمرير أطماعه وسياساته وتبعيته للإمارات واسرائيل.
وهذا سوف يشق حتى صفوف الانفصاليين الجنوبيين.

وسوف تزداد أعداد قائمة المناهضين لعيدروس والانفصال التي تضم أطياف واسعة بين أوساط الجنوبيين.

وسوف تزداد رغبة السعودية في القضاء على نفوذ الإمارات في الجنوب.

وسوف تزداد حساسية سلطنة عمان من الانفصال ومن حصارها بالنفوذ الإماراتي ( الذي هي تاريخيا لا تحبه) من أكثر من جهة.

وقد ظهرت بوادر رفض مصر والأردن للانفصال وتغلغل نفوذ اسرائيل في سواحل الجنوب والمخاء ومضيق باب المندب بالرغم من علاقاتهم الودية مع الإمارات.

**
سابعا: رسالة إلى رئيس اليمن
**

الأخ الرئيس رشاد العليمي،
هذا التقرير مهم، لا لأنه يقول الحقيقة،
بل لأنه يكشف كيف يُفكرون بشأن اليمن من خارج حدوده.

التقرير مهم ليس لأنه “صحيح”، بل لأنه: يقول ما لا يُقال عربيا ويشرح كيف ترى مراكز التفكير الإسرائيلية المشهد، ويكشف أن تقسيم اليمن يُناقَش كفرصة لا ككارثة.

هذا التقرير لا يصف الواقع فقط،
بل يحاول أن يصنع واقعا مقبولا ذهنيا: جنوبٌ مستقر يخدم الملاحة،
… وشمالٌ يُحتوى،
… واليمن، مجرد اسم جغرافي قديم.

١- يجب أن تقود اليمن وتؤكد لليمنيين وللعالم أن  اليمن اليوم لا يحتاج إلى خرائط جديدة،
بل إلى استعادة معنى الدولة، ومعنى الشرعية، ومعنى أن يُحاسَب من دمّرها.

٢- يجب أن تكون معك "مؤسسة رئاسة"، تشتغل على مدار الساعة، تتابع الأحداث، وترسم السياسات، وتضع أمامك خيارات صناعة القرار.
أنت لا يوجد معك مؤسسة رئاسة.
أنت لا تستطيع عمل كل شيئ بمفردك.
أنت تحتاج مؤسسة رئاسة.

٣- أنت ونحن واليمن والسعودية
أنت، يجب أن تعمل وأن تبادر وأن تنفِّذ… وليس فقط أن تتكلم.

نحن، سوف نهب يدا واحدة معك إذا رأيناك تعمل.

أنت ونحن واليمن، نحتاج السعودية، ولكننا كلنا مع السعودية نحتاج رئيس اليمن.

أنت لا يجب أن تنتظر رأي السعودية وتراقب فقط ما ستفعل.
السعودية مهمة، ولكن أنت أيضا مهم.

عبدالقادر الجنيد
١٨ ديسمبر ٢٠٢٥

آخر الأخبار