بحث

اسرائيل تضرب قطر وتقلب مواجع العرب … أمريكا كانت تعرف

عبدالقادر الجنيد

 

اسرائيل تضرب قطر وتقلب مواجع العرب
… أمريكا كانت تعرف

Abdulkader Alguneid(عبدالقادر الجنيد)
***
١٠ سبتمبر ٢٠٢٥

بالأمس، اسرائيل قصفت الدوحة عاصمة قطر لقتل قادة فلسطين من منظمة حماس يتفاوضون مع اسرائيل وأمريكا بوساطة قطر بغرض إنهاء حرب غزة.
أنكر ترامب أنه كان يعرف عن الضربة قبل القصف بوقت مناسب.

هل كان ترامب يعرف؟ أم لا يعرف؟

**
أولا: اسرائيل تقول أن ترامب كان يعلم
**

أحد كبار الباحثين الإسرائيليين الدكتور يوئيل جوزاتنسكي  Dr. Yoel Guzansky في معهد الأمن القومي الاستراتيجي INSS، كتب هذا اليوم:
"الولايات المتحدة الأمريكية كانت تعرف عن الضربة قبل حدوثها بمدة طويلة، على الأقل بسبب قاعدتها العسكرية (العيديد) الضخمة داخل قطر."
"لا يمكن أن تقوم اسرائيل بمثل هذه الضربة بدون موافقة مسبقة من الولايات المتحدة، بالرغم من محاولات واشنطن الحالية لأن تنأى بنفسها بعيدا عن هذا الحدث."

"مشاركة أمريكا مهمة، لأن اسرائيل سوف تحتاج مساعدتها للتخفيف من بعض الآثار السلبية والعواقب سواء من الناحية السياسية أو الدبلوماسية أو سوء السمعة في الدعاية والإعلام— التي تتمتع قطر بتأثير قوي في هذه المجالات."
"وكما أن لأمريكا تأثير قوي على قطر فإن الدوحة معها تأثير قوي على واشنطن، وهذا يعني أنه لا يمكن أن تخترق اسرائيل سيادة قطر وتقصف عاصمتها بدون موافقة الرئيس ترامب وأمريكا."

**
ثانيا: ترامب يقول أنه لم يعرف
**

ترامب، غرد في سوشيال تروث أنه لم يكن يعرف إلا قبل الضربة بقليل ولم يخطر قطر إلا بعد حدوث الضربة.

مستحيل أن تتم الضربة دون أن ترصدها الأقمار الصناعية الأمريكية أو أن تلتقطها رادارات وقواعد القيادة والسيطرة في قاعدة العديد بقطر.
المؤسسة العسكرية والأمنية الأمريكية كانت تعرف مسبقًا، ولو بالساعات، بتحرك إسرائيلي من هذا النوع.
واشنطن عادة لا تسمح بضربة كهذه في منطقة حساسة إلا بعد تقدير شامل للمخاطر السياسية والدبلوماسية.

كما أشار تقرير INSS، إسرائيل تاريخيًا لا تضرب أهدافا كبيرة في دول حليفة لأمريكا دون ضوء أخضر أمريكي، سواء كان مباشرا أو غير مباشرا.

الضوء الأخضر أحيانا يُمنح في صيغة “افعلوا ما ترونه مناسبًا” بدون تفاصيل تنفيذية، حتى تحتفظ واشنطن بإنكار رسمي لاحقا إذا لزم الأمر.

بهذا الأسلوب، يمكن لواشنطن أن تتبرأ سياسيا إذا جاءت العواقب الدبلوماسية سيئة، لكنها تبقى مطمئنة إلى أن العملية تتماشى مع مصالحها.

سمعة سيئة لترامب وأمريكا
*
إذا كانت وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي قد نسقا مع اسرائيل بشأن الضربة ولم يخطروا، فهذا سمعة سيئة لهم ولقيادة ترامب ولأمريكا.
وإذا كانوا قد أخطروه ولكنه قام بالإنكار والكذب، فهذا سمعة أسوأ لهم كلهم.

بيان البيت الأبيض
*
البيت الأبيض أصدر بيانا يقول فيه إن ضرب الدوحة ليس جيدا ولكن قتل قادة حماس، هو أمر مرغوب به.
هذا بيان يعبر عن موقف مزدوج ومتناقض.
هل البيان يوافق على الضربة؟ أم ضد الضربة؟

نكران جميل وسوء نية ونقض عهد
*

نكران جميل:
 نكران جميل من شخص ترامب الذي حصل على هدية شخصية له ولمكتبته طائرة بوينج 747 من قطر قيمتها 400 مليون دولار.
 وسوف يحصل على امتياز فندق ومنتجع ضخم في الدوحة ويربح منه عشرات الملايين من الدولارات مقابل فقط وضع علامة ترامب عليه حرف T المطلي بلون الذهب.
هل مازال ترامب يريد شيئا إضافيا من قطر؟

ونكران جميل من قبل كل الولايات المتحدة الأمريكية لدولة قطر التي أنشأت قاعدة العيديد الضخمة بمليارات الدولارات على حسابها وأعطتها مجانا وتتحمل نفقاتها اليومية وتطورها وتصونها طوال الوقت بمئات الملايين دولارات سنويا.
هذا نكران جميل شخصي وبين الدول.

سوء نية:
الضغط على قطر لتقليل نفوذها الإقليمي (الجزيرة، علاقاتها مع حماس، تركيا، إيران).
إرضاء اللوبي المؤيد لإسرائيل في واشنطن، الذي يرى في قطر لاعبا مزعجا لأنه يحافظ على قنوات مع حماس.
هذا سوء نية من أمريكا التي تتظاهر بصداقة قطر.

نقض عهد:
وهناك اتفاق تحالف أمني وسياسي عقده الرئيس السابق بايدن مع الأمير تميم آل ثاني مكافأة على دور الأسطول الجوي القطري الذي سخره ليعمل على مدار الساعة لصالح أمريكا لإخلاء رعاياها وأصدقائها من أفغانستان وإيوائهم حتى يتم نقلهم إلى أماكن أخرى.

ما قام به ترامب بالموافقة على قيام اسرائيل بضرب قطر، يعتبر من باب "نقض العهد".

**
ثالثا: انعدام الرقي عند ترامب وأمريكا
**

لكن هذه المواقف ليس راقيا ولا مشرفا للرئاسة الأمريكية وللدولة الأمريكية.

الكذب في الرئاسة الأمريكية والتناقض في بيان البيت الأبيض يعني أن هناك انعدام للسلوك الراقي والآداب العامة.

ويعكس أزمة في الاتزان الاستراتيجي والدبلوماسي الأمريكي وله آثار عميقة على صورة الرئاسة الأمريكية والدولة الأمريكية نفسها.
هذا يبرز الرئيس وكأن يديه مقيدة أو غير قادرة على اتخاذ موقف حاسم، أو وكأنه يحاول موازنة مصالح متعارضة بطريقة صعبة التفسير.

عواقب الشعور بانعدام رقي أمريكا
*
١- عواقب قصيرة المدى: 
فقدان الثقة في تصريحات البيت الأبيض، والشعور بأن أمريكا تحاول إدارة صورها أكثر من مصالح حلفائها.

٢- عواقب متوسطة المدى: 
حلفاء الخليج، وقطر خصوصا، قد يبحثون عن “خطط بديلة” لتحقيق مصالحهم، مثل تعزيز العلاقات مع تركيا أو الصين أو تنويع الشركاء.

٣- عواقب طويلة المدى:
تآكل المصداقية الأمريكية في المنطقة، بحيث يصبح أي بيان مستقبلي مشكوكا فيه، ويصعب على واشنطن استثمار النفوذ الرمزي والدبلوماسي.

**
رابعا: صدمة قطر
**
ما حدث يوم أمس هو أحد الفواجع الكبرى في تاريخ قطر وربما هو أفدحها.

ما هي الصدمة؟ والحالة النفسية؟ والحالة المعنوية؟

١- الصدمة مؤكدة
*
طائرات مقاتلة اسرائيلية تقصف العاصمة وبتواطؤ الدولة الحليفة أمريكا التي قد أغدقت عليها وعلى رئيسها من خزائنها التريليونية القطرية.

ضربوا السيادة القطرية.
ضربوا الدولة القطرية أثناء قيامها بالوساطة بما يخدم أغراض أمريكا وحتى اسرائيل وفي نفس الوقت تحاول الحصول على ما يتيسر للفلسطينيين ولشيئ من الكرامة للأمة العربية.
ضربوا قطر أثناء قيامها بجهد من أجل السلام.
شعرت قطر- لأول مرة- مرارة إهانة الإستقلال والهيبة التي قد شعرت به كل الدول العربية من قبل على يد اسرائيل وعلى يد غير اسرائيل.

٢- القلق والإحباط النفسي
*
قلق عميق على استقرار قطر السياسي والأمني الذي كان يعتم على حماية أمريكا.
وإحباط شديد من عدم القدرة على الرد والانتقام من اسرائيل.

٣- هبوط المعنويات
*
الضربة الاسرائيلية، أنهت أيضا دور الدبلوماسية القطرية رفيعة المستوى التي تلمع بين دول المنطقة وأفريقيا وكل مكان، وبالتأكيد أنهى دور قطر في الوساطة بين اسرائيل وحماس وعلى إنهاء حرب غزة، وربما حتى على تواجد قطر المباشر في مساعدة الفلسطينيين الآن أو في المستقبل.

**
خامسا: وصول رئيس الإمارات إلى قطر
**

وصل اليوم، الشيخ محمد بن زايد رئيس الإمارات لمواساة أمير قطر.
لغة الجسد في الصورة المرافقة تعبر عن الأسى والمحبة والود والمساندة.

صفاء وعداء
*
بلدان  عربيان متجاوران صغيران ناجحان، في حالة نقاء وصفاء.
بلدان تريليونيان يكنان لبعضهما أشد حالات العداء منذ أكثر من عقد من الزمان.

بلدان يعملان ضد بعضهما حتى في بلادنا اليمن المنكوبة الفاشلة.

على ماذا يختلفان؟
ماذا تريد أغنى بلدين في العالم من أفقر بلد في العالم؟

نحن سوف نستمتع اليوم بصورة قائدين عربيين في حالة صفاء ونقاء ولو لمدة ساعتين أو أسبوعين.
"وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"

هل بمكن أن تكون ضربة اسرائيل للدوحة فاتحة خير لصفاء ونقاء دائم ليس بين الإمارات وقطر فحسب ولكن بين كل العرب، ليخلصونا من الآلام والمرارة المزمنة؟

قلوبنا في حالة مرارة مما حدث لقطر.
ولما يحدث في غزة.
ولما يحدث لفلسطين خلال ٧٥ سنة.
ولما يحدث في اليمن بأيدينا وبأيدي جيراننا.

 

آخر الأخبار