حزب الإصلاح في الأزمة اليمنية: بين «الشرعية» و«أنصار الله» (الحوثيين) ورؤية لمشروعٍ واضح
تمهيد وخلفية
منذ تأسيسه عام 1990، مثّل التجمع اليمني للإصلاح قوة سياسية بارزة بتركيبة معقدة تجمع بين النفوذ القبلي والدعوي والإخواني والسلفي. هذه التركيبة الواسعة منحته قاعدة جماهيرية كبيرة لكنها في الوقت ذاته جعلت من الصعب توحيد الحزب على برنامج واحد صلب.
ومع اندلاع الحرب عام 2014، وجد الحزب نفسه في قلب صراع مركّب: الحوثيون يسيطرون على صنعاء والشمال، فيما تبلورت “الشرعية” (الحكومة المعترف بها دولياً، ثم لاحقاً مجلس القيادة الرئاسي 2022)، وصعدت قوى جنوبية أبرزها المجلس الانتقالي الجنوبي (STC). هذا التداخل والتنافر جعل موقع الإصلاح ملتبساً بين المواجهة، التحالفات، والبحث عن دور جديد.
موقع الإصلاح بين الشرعية والحوثيين
أ. مع الشرعية
• تبنّى الإصلاح مبكراً دعم التدخل بقيادة السعودية عام 2015، ودفع ثمناً أمنياً وسياسياً كبيراً، إذ تعرّضت قياداته ومقراته في صنعاء ومناطق الحوثيين للمصادرة.
• على الأرض، برزت قوته في تعز ومأرب وأجزاء من شبوة، لكن نفوذه تراجع لاحقاً بفعل إعادة تشكيل التحالفات المحلية، وصعود قوى مدعومة إماراتياً، ما أضعف دوره في بعض المحافظات.
ب. مع الحوثيين
• العلاقة بين الطرفين صِدامية أيديولوجياً وسياسياً: الإصلاح يتهم الحوثيين بأنهم ذراع إيراني، والحوثيون يتهمون الإصلاح بالتنسيق مع جماعات متطرفة.
• عملياً، مثّلت مأرب ساحة مركزية للمواجهة، حيث لعبت القبائل المتحالفة مع الإصلاح دور “الخط الأخير” أمام تمدد الحوثيين.
• ورغم العداء العلني، تحدّثت تقارير عن وجود قنوات خلفية للوساطة أو التفاهم المرحلي، سواء بوساطات قبلية أو إقليمية، لتجنب الصدام الكامل. هذا الغموض غذّى اتهامات خصوم الإصلاح له بازدواجية الموقف.
تحديات بنيوية داخل الإصلاح
• يعاني الحزب من تعدد الأجنحة وغياب رؤية برنامجية موحدة، ما يجعله يتأرجح تكتيكياً بدل صياغة مسار استراتيجي.
• بعد 2016، ومعارك شبوة 2022، تعرض لانتقادات تتهمه بالفساد والتراخي العسكري، وهو ما فاقم صورته كحزب مأزوم داخلياً، خاصة في ظل انقسام معسكر الشرعية نفسه.
البيئة السياسية المتحركة (2023–2025)
• يشارك الإصلاح في مجلس القيادة الرئاسي إلى جانب خصومه (الانتقالي الجنوبي)، ما يقيّد حركته السياسية.
• تجارب تأسيس تكتلات جديدة لم تحسم بعد موقع الأحزاب التقليدية ومنها الإصلاح.
• في الجنوب، تتنامى مشاريع الانفصال، ما يضع الحزب أمام ضغوط لإعادة التموضع أو فقدان ما تبقى من نفوذه.
ماذا قدّم الإصلاح وماذا عجز عنه؟
المساهمات
• لعب دوراً تعبويًا في معسكر الشرعية.
• وفر شبكات محلية في تعز ومأرب ساعدت على الصمود في لحظات فراغ الدولة.
القصور
• تذبذب خطابه بين المدني والديني–القبلي.
• ضعف تحالفاته مع القوى الأخرى (خاصة الانتقالي وأطراف مدعومة إماراتياً).
نحو «مشروع واضح» للإصلاح
حتى يستعيد الإصلاح دوره، يحتاج إلى خارطة عملية تقوم على:
1. تشخيص الأزمة والإقرار علناً بتفتت الشرعية.
2. إصدار وثيقة برنامجية (2025–2027) تحدد موقفه من الدولة، الفيدرالية، تقاسم العوائد، وفتح الطرق.
3. إنشاء مجلس تنسيق سياسي مع القوى الجنوبية لتقليل الصدام.
4. تبني مدونة سلوك لقواته في تعز ومأرب مع آليات للمساءلة.
5. إصلاح داخلي ديمقراطي يشمل تمثيل الشباب والنساء بنسبة 30%.
6. إطلاق برنامج اقتصاد طوارئ محلي يعزز الخدمات ويعيد الثقة الشعبية.
7. القبول بـ سلام تدريجي مع الحوثيين بضمانات دولية.
8. إعلان موقف واضح من أمن البحر الأحمر وتحييد الاقتصاد عن المقايضات العسكرية.
9. تبني إستراتيجية إعلامية جديدة تركز على هموم المواطن.
10. نشر مؤشرات أداء ربع سنوية لقياس الإنجازات.
سيناريوهات 2025–2026
• استمرار الانقسام شمال/جنوب سيجبر الإصلاح على التحول لحزب محلي خدماتي ضمن صيغة فدرالية.
• تصاعد كلفة البحر الأحمر قد يرفع الملف الاقتصادي فوق الأيديولوجي، ما يمنح الحزب فرصة لإعادة التموضع إذا نجح في إدارة ملفات المعيشة.
خاتمة
يظل الإصلاح رقماً صعباً في معادلة الحرب والسلام، لكنه مهدد بفقدان موقعه إن لم يتحول من حزب تعبوي منقسم إلى حزب سياسات عامة برؤية واضحة وتحالفات واقعية. الطريق الوحيد أمامه هو الشفافية، الإصلاح الداخلي، والاشتباك السياسي المسؤول مع بقية المكونات.