في السياسة الدولية، لا يُقاس وزن الدول بعدد المآسي التي تعيشها، بل بعدد الكراسي التي تشغلها. واليمن اليوم لا يعاني فقط من حرب وانقسام، بل من فضيحة أكبر: كرسيه فارغ.
بينما يجتمع وزراء خارجية الإمارات والسعودية مع نظرائهم الأمريكيين والأوروبيين لمناقشة أمن واستقرار اليمن، يحدث المشهد الأكثر سخرية في التاريخ الحديث: اليمن يُناقَش… دون أن يُستدعى. لا وزير خارجية يمني، لا لقاء، لا حتى مصافحة مجاملة مع وزير عربي ليقول: نحن قلقون.
يبدو أن القلق أيضًا يحتاج تمثيلًا سياديًا.
التحليل النفسي: رهاب الطاولة الدولية
نحن أمام قيادة تعاني من اضطراب واضح: الخوف من الجلوس كندّ. من اعتاد أن يُدار، يخشى أن يُسأل. ومن تعوّد على التعليمات، يرتبك أمام المبادرة.
الكرسي الفارغ صار الممثل الرسمي لليمن في المحافل الدولية. صامت… لكنه صادق أكثر من كثيرين.
التحليل الاجتماعي: شعب يُدار بالنيابة
اجتماعيًا، يُعامل اليمنيون كقضية بلا محامٍ، وكأن المجتمع الدولي يقول: نحن نفهم مصلحتكم أكثر منكم. وحين يرى المواطن أن مصيره يُناقَش في الخارج، تتكرس قناعة قاتلة: الدولة شيء، والشعب شيء آخر.
التحليل الثقافي: سقوط الهيبة لا يحتاج حربًا
كانوا يقولون: الهيبة من الله. صحيح. لكن الله لا يمنعك من الحضور. الهيبة لا تُسرق فقط، بل تُهدر طوعًا حين تختار الغياب.
علم بلا ممثل، ونشيد بلا صوت، ودولة تختفي من صورتها الجماعية.
التحليل السياسي: الوصاية الناعمة كاملة الدسم
سياسيًا، لم يعد اليمن دولة ذات سيادة كاملة، بل ملفًا يُتداول. القرارات تُطبخ في عواصم أخرى، واليمن يُقدَّم كطبق جانبي. الغائب الوحيد عن طبخته… هو صاحب الوصفة.
التحليل الاقتصادي: تفاوض الأشباح
اقتصاديًا، من لا يحضر لا يفاوض. تُقر المساعدات باسمه، وتُدار موارده نيابةً عنه، ثم يُطلب منه الامتنان. اقتصاد يعيش على الشكر لا على الشروط، وعلى الإنعاش لا على التخطيط.
التحليل العسكري: حرب بلا صاحب قرار
عسكريًا، تُناقَش الحرب والسلام في اليمن دون صوت يمني حاسم. هذا إعلان غير مكتوب بأن اليمن ساحة لا طرف، وخريطة لا قرار.
التحليل الدبلوماسي: وزارة خارجية بلا خارج
وزارة لا تبادر، وسفارات تفتح الأبواب ولا تدخل السياسة. ثمانية لقاءات عن اليمن، ولا لقاء لليمن. إنجاز إداري يُدرَّس في فن الغياب.
التحليل الإعلامي: الرواية المخطوفة
إعلاميًا، من لا يتكلم تُكتب قصته بيد غيره. لم تعد لليمن رواية، بل ترجمة فورية لما يقوله الآخرون عنه.
رؤية إنقاذ مختصرة قبل إعلان الوفاة
- إعادة تعريف منصب وزير الخارجية: من ديكور بروتوكولي إلى صانع سياسة.
- فرض الحضور: لا نقاش عن اليمن دون يمني على الطاولة.
- تأهيل الكادر الدبلوماسي نفسيًا قبل سياسيًا: الثقة أساس السيادة.
- ربط الدبلوماسية بالإعلام: من لا يملك روايته، يملك غيره مستقبله.
- استعادة الندّية: أو الاعتراف بدور المتلقي إلى أجل غير مسمى.
الخاتمة: الكرسي لا ينتظر الغائبين
الدول لا تُحترم لأنها صاحبة حق، بل لأنها حاضرة. واليمن اليوم حاضر في كل التقارير، كل البيانات، كل الاجتماعات… إلا الاجتماع الذي يُصنع فيه القرار.
من لا يجلس على الطاولة، يُوضَع على القائمة. ومن يرضَ بالغياب، يُدار بالنيابة. واليمن إن لم يستعد صوته الآن، سيبقى حاضرًا كعنوان… وغائبًا كدولة.