بحث

هاني علي سالم البيض الامتداد القيمي للإرث الوطني ومسؤولية السياسة في زمن الانقسام

مصطفى بن خالد

 

شذرات إستراتيجية
بسم الله الرحمن الرحيم 
مـــصـــطــفـــى بن خالد

هاني علي سالم البيض

الامتداد القيمي للإرث الوطني ومسؤولية السياسة في زمن الانقسام

في السياقات السياسية اليمنية المأزومة، غالباً ما تُختزل الشخصيات العامة في أسمائها أو في انتماءاتها العائلية، بما يحجب قراءة أكثر عمقاً لدورها الفعلي وموقعها الفكري. 

ويُعد هاني علي سالم البيض نموذجاً دالاً على هذا الاختزال؛ إذ يُستدعى اسمه في النقاش العام بوصفه وامتداداً رمزياً لإرث سياسي كبير، دون تفكيك جاد لمواقفه وخطابه بوصفه فاعلاً سياسياً مستقلاً في مستوى الرؤية والمسؤولية الأخلاقية.

أولاً: الإرث السياسي بوصفه مسؤولية لا امتيازاً

ينتمي هاني البيض إلى إرث سياسي ارتبط بأحد أهم المنعطفات في التاريخ اليمني الحديث: 
تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990.
فوالده، علي سالم البيض، كان شريكاً رئيسياً في هذا الحدث، وقدّم في سبيله تنازلات سياسية جوهرية عن السلطة والصلاحيات، انطلاقاً من قناعة مفادها أن الوحدة تمثل أفقاً تاريخياً يتجاوز حسابات المكسب الآني.

تُظهر هذه التجربة أن التنازل، في لحظات التحول الكبرى، لا يُعد ضعفاً سياسياً، بل فعلاً تأسيسياً للدولة. 
ومن هذا المنطلق، فإن هاني البيض لا يرث خطاباً سياسياً بقدر ما يرث منظومة قيم قوامها تغليب المصلحة العامة، والإيمان بإمكان التعايش، ورفض منطق الغلبة.

ثانياً: منطق الدولة مقابل منطق الاصطفاف

يتميّز خطاب هاني البيض بتموضعه خارج الاصطفافات الحادة التي هيمنت على المشهد اليمني خلال سنوات الصراع. 
فهو لا ينخرط في خطاب التخوين الشامل، ولا يتبنى ثنائية “العدو المطلق” و“الحليف المطلق”، بل ينطلق من رؤية ترى أن الأزمة اليمنية بنيوية، ولا يمكن اختزالها في طرف أو جماعة.

هذا التموقع يعكس مقاربة قريبة من أدبيات بناء الدولة في المجتمعات المنقسمة، حيث يصبح الاعتراف المتبادل، وإدارة التعدد، والانتقال من منطق القوة إلى منطق السياسة، شروطاً ضرورية لأي تسوية مستدامة.

ثالثاً: الوطنية كإطار قيمي

في خطاب هاني البيض، لا تُستحضر الوطنية بوصفها شعاراً تعبوياً، بل كـ إطار قيمي ومعياري.

الوطن، وفق هذه المقاربة، ليس ملكاً لسلطة قائمة، ولا حكراً على سردية واحدة، بل فضاءً مشتركاً تُدار فيه الخلافات عبر السياسة لا العنف، وعبر التوافق لا الإقصاء.

ومن هنا تأتي انتقاداته المتكررة لتحويل القضايا الوطنية إلى أدوات صراع أو أوراق تفاوض، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي، بما يؤدي إلى تفريغ المفاهيم الكبرى—كالوحدة والدولة والسيادة—من مضامينها الأخلاقية.

رابعاً: الوحدة اليمنية بين الفكرة والتجربة

ينطلق هاني البيض من تمييز تحليلي بالغ الأهمية بين الوحدة كفكرة وطنية والوحدة كتجربة سياسية.
فبينما تبقى الفكرة، من حيث المبدأ، تعبيراً عن طموح تاريخي مشروع، فإن التجربة العملية تعرّضت لاختلالات بنيوية في الإدارة، وتقاسم السلطة، وبناء الثقة.

هذا التمييز يسمح بنقد التجربة دون نقض الفكرة، ويُخرج النقاش من ثنائية التقديس أو الإلغاء، إلى مساحة أكثر عقلانية تتناول شروط إعادة إنتاج المعنى الوطني بدل الاكتفاء بترديد الشعارات أو الدعوة إلى القطيعة الكاملة مع التاريخ.

خامساً: السياسة بوصفها أخلاقاً عامة

لا يقدّم هاني البيض نفسه زعيماً جماهيرياً أو قائد حركة سياسية، بل فاعلاً فكرياً–سياسياً يسعى إلى إعادة الاعتبار للأخلاق العامة في المجال السياسي.
وتتجلّى هذه المقاربة في:
 • رفضه تبسيط الصراع،
 • وتجنبه الاستثمار في الكراهية،
 • وسعيه إلى تفكيك الخطابات السائدة بدل إعادة إنتاجها.

في بيئة سياسية اعتادت على الخطاب الانفعالي، يبدو هذا الصوت هادئاً، وربما غير شعبي، لكنه يحمل قيمة استراتيجية على المدى البعيد، إذ يفتح المجال أمام تصوّر مختلف للسياسة بوصفها إدارة عقلانية للاختلاف.

الخلاصة:

إن هاني علي سالم البيض يمثّل حالة سياسية لا يمكن قراءتها بمعزل عن إرث وطني تأسيسي، ولا يمكن في الوقت ذاته اختزالها فيه. 

فهو ابن رجلٍ قدّم تنازلات كبرى من أجل إنجاز الوحدة اليمنية، لكنه في ممارسته الخطابية يسعى إلى حماية جوهر الفكرة الوطنية من التآكل، عبر نقد التجربة، والدفاع عن القيم التي قامت عليها.

وفي زمن تتراجع فيه السياسة إلى مستوى الصراع الصفري، يقدّم هذا الخطاب تذكيراً ضرورياً بأن الأوطان لا تُبنى بالقوة وحدها، بل بالتنازل المسؤول، والعقلانية، والالتزام الأخلاقي بالمصلحة العامة.

آخر الأخبار